الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورُوِيَ عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ عَنْ تِسْعِ نِسْوَةٍ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ (1).
إسقاطُ المرأةِ لحقِّها:
وهذا في كلِّ امرأةٍ تَرى زُهْدَ زَوْجِها فيها، فتَرغَب في البقاءِ معَهُ، فيتَصالَحانِ على إسقاطِ ما بينَهما مِن واجبِ المَبِيت، وتَبقى على النفقةِ والسُّكْنى، والزُّهْد قد يكونُ لسببٍ فيها؛ كسُوءِ خلُقِها، أو مَرَضِها، أو كِبَرِها، أو دَمَامَتِها، أو لسببٍ فيه؛ ككِبَرِه، أو مَرَضِه، أو ضَعْفِ نفسِهِ نحوَها.
ورُوِى هذا المعنى عن عمرَ وعليٍّ وابنِ عبَّاسٍ وعائشةَ وغيرِهم مِنَ الصَّحابةِ والسَّلَفِ.
نشوز الزوجِ:
والنشوز هو المَيْل بسببِ البُغْضِ أوِ الكُرْهِ أوِ انصرافِ النفسِ بلا موجِبٍ ظاهرٍ، ويكونُ النشوزُ بحقٍّ أو بباطلٍ، ولا يُتصوَّر ميلُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا بالحقِّ؛ لأنَّ له أن يطلِّقَ زوجتَهُ وله أن يمسِكَها، وقد يَمِيلُ الرجلُ عن زوجتِه نَفْسًا، فيَرَى عدَمَ قيامِها بحقِّه، ويَتْبَعُهُ تقصيرُهُ بحقِّها لو بَقِيَ معَها، فمِنَ العدلِ والحقِّ تطليقُها، فلمَّا ظَنَّتْ سَوْدَة ذلك مِن نفسِها ومنه صلى الله عليه وسلم، تصالَحَت معه سَوْدةُ على إسقاطِ حقِّها في المبيت، وجعَلَتْ يومَها لأحبِّ أزواجِه، وهي عائشةُ، فلا يجدُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعدَ ذلك حرَجًا مِن بقائِها.
وإذا غُلِبَ الرَّجُل على نفسِهِ بأمرٍ، وخَشِيَ مِن تركِ الواجباتِ وفِعْلِ
(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 296).
المُحرَّماتِ، فلْيَتخفَّف مِن تَبِعَةِ ذلك بتَرْكِ موجِبِ فعلِ المحرَّمِ وتركِ الواجب والبُعْدِ عنه.
وقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا} ؛ يَعْني: الزَّوجَين، وفيه تشوُّفُ المُشرِّعِ إلى بقاءِ الزَّوْجةِ في عِصْمةِ زَوْجِها ولو مع إسقاطِ بعضِ الحقوقِ بَينَهما، وأنه أوْلى مِن الطَّلاقِ؛ وذلك في قوله بعدُ:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} .
وحمَل ابنُ عبَّاسٍ قولَه: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} على التخييرِ؛ فقال: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} ؛ يَعني: تُخيَّرُ المرأة بما تريدُ، ولا تُكرَهُ على شيْءٍ واحدٍ مما يُطيقهُ الرَّجُلُ (1).
والمرادُ فيما يتَراضَيانِ فيه مما يُطيقانِه جميعًا، ولا يُوقِعُ في حَرَامٍ لهما أو لأحدِهما.
وقولُه تعالى: {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ} ؛ يَعني: أن تُقدِّمَ النفوسُ حظَّها وحقَّها على حظِّ غيرِها وحقِّه؛ فالشحُّ والأثَرةُ متأصِّلٌ في النُّفوسِ.
ولا يجوزُ للرجلِ أن يُقدِّمَ مصلحتَهُ على ضرَرِ غيرِه، ولا للمرأةِ أن تُقدِّمَ مصلحتَها على ضررِ غيرِها، فأمَّا إذا أطاقا تحقُّقَ المصلحتَيْنِ أو دَفْعَ المفسدتَين، فوجَبَ عليهِما، والطلاقُ يتأكدُ عندَ وجودِ مفسَدةٍ لأحدِ الزوجَيْنِ ببقائِهما، وقد روى أبو داودَ وابن ماجَة؛ مِن حديثِ مُحاربِ بنِ دِثارٍ، عن ابنِ عُمرَ مرفوعًا؛ (أبغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ الطَّلَاقُ)(2)، وجاء مرسَلًا مِن حديثِ مُحاربٍ به (3)، وهو أقرَبُ، ورُوِيَ مِن طُرْقٍ أُخرى.
* * *
(1)"تفسير الطبري"(7/ 553)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(4/ 1081).
(2)
أخرجه أبو داود (2178)(2/ 255)، وابن ماجه (2018)(1/ 650).
(3)
أخرجه أبو داود (2177)(2/ 254).
قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)} [النساء: 129].
ومفهومُ هذه الآيةِ: وجوب العدلِ بينَ النساءِ؛ وهذا لا خلافَ فيه، وقد جاء في "سنن أبي داود" أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:(مَنْ كَانَ لَهُ امْرَأتانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاء يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ)(1).
والمراد بالاستطاعةِ المَنْفِيةِ مِن العدلِ في قوله، {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ}: عدلُ القَلبِ وعدمُ مَيْلِهِ لإحدى الزوْجاتِ؛ لِمَا جعَلَهُ اللهُ فيهِنَّ مِن تاينٍ يتَبايَن معه ميل القلْب، فأمَرَ اللهُ لعدَمِ الاستجابةِ العمَليَّة لِميلِ القلبِ استجابةَ تُؤثِّرُ على العدلِ في القَسْمِ والنَّفَقةِ والعطيَّةِ؛ ولذا قال:{فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} .
قال ابنُ عبَّاسِ في الاستطاعةِ المنفيَّةِ: "هي الجِمَاعُ والحُبُّ"؛ رواهُ عنه عليُّ بن أبي طَلْحةَ، وروِيَ هذا عن عَبِيد السَّلْمانيِّ والحسَنِ وغيرِهما.
وقال الصَّحَّاكُ: "هو الشَّهوةُ والجِمَاعُ"(2).
والمراد واحدٌ.
والميلُ المنهيُّ عنه في قوله: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} هو المَيْلُ المتعمَّدُ؛ كما قالَهُ مجاهِدٌ وغيرهُ (3)، وهو ميلُ النَّفسِ بالعمَلِ بعدَمِ العدلِ في النَّفَفةِ والقَسْم والقولِ.
(1) أخرجه أبو داود (2133)(2/ 242).
(2)
"تفسير الطبري"(7/ 568 - 570)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(4/ 1083).
(3)
"تفسير الطبري"(7/ 572)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(4/ 1083).