الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك: فإنَّ الأختينِ الاثنتَيْنِ يأخُذَانِ الثلُثَيْنِ عندَ عدمِ الفرعِ الوارثِ؛ كما قال تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 176]، فالبنتانِ أَوْلى مِن الأخَتَيْنِ بذلك.
ميراثُ الأبوَيْنِ:
ذكَرَ اللهُ ميراثَ الأبوينِ فجعَلَهُ على حالَيْنِ:
الأُولى: مع ولدِ الميِّتِ واحدًا أو أكثَرَ، لهما السدُسُ، والأمُّ مع جمعِ الإخوةِ ولو مِن غيرِ ولدٍ للميِّتِ تأخُذُ السدُسَ.
الثانيةُ: عندَ عدمِ الولدِ وولدِ الابنِ للميِّتِ والجمعِ مِن الإخوةِ جعَلَ للأمِّ الثلُثَ.
ولهما حالٌ ثالثةٌ تُؤخَذُ مِن الأثرِ ومفهومِ الآية، وهي مع الزوجِ والأبوَين، أو الزوجةِ والأبوَيْن، فللأمِّ ثلُثُ الباقي، لا ثلُثُ المالِ المتروكِ كاملًا، بعدَ فرصِ الزوجَيْنِ على الصحيحِ؛ لأنَّ اللهَ قال في الأمِّ:{فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} ، ولم يقُلْ سبحانَه:(ثلُثُ ما تَرَكَ)؛ كما في المواضِعِ السابقةِ: {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} ، وقوله:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} ، ولأنَّ إعطاءَ الأمِّ الثلُثَ ممَّا ترَكَ بعدَ فرضِ الزوجِ النصفِ: يجعَل الأبَ يأخُذُ السدُسَ، فتأخُذُ الأمُّ ضِعْفَيْه، والأصلُ عندَ استواءِ الدرجةِ في الإخوةِ والأولادِ: أنَّه للذَّكَرِ مِثلُ حظِّ الأُنثيَيْن، والأبُ والأمُّ هنا متساويان، فالأصلُ تَسَاوِيهما في الإرثِ في السدُسِ مع الأولاد، أو زيادةُ الأبِ على الأمِّ بفرضٍ وتعصيبٍ أو تعصيبٍ.
وهذا الذي عليه جمهورُ السلفِ والخَلَفِ؛ أنَّ للأمِّ ثلُثَ الباقي،
لا ثلُثَ ما ترَكَ، ويَبقَى الثلُثانِ للأبِ تعصيبًا؛ لأنَّ الأبَ أَوْلى بقوله:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} مِن الأولادِ والإخوة، وليس في الآيةِ نصٌّ يُعارِضُهُ؛ فقولُه:{فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} ليس فيه (ممَّا ترَكَ)، فحُمِلَ الثلُثُ على ما يُوافِقُ الأصولَ، وهو ثلُثُ الباقي بعدَ فرضِ الزوج، والزوجُ حقُّه منصوصٌ عليه ممَّا ترَكَتِ الزوجةُ؛ كما في قولِه:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النساء: 12]، وفي ميراثِ الزوجةِ مِن الزوجِ قال:{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ} [النساء: 12]، وأمَّا الأمُّ، فأطلَقَ حَقَّها في الثلُث، فحُمِلَ على ما يُوافِقُ الأصولَ.
وبهذا قال زيدُ بنُ ثابتٍ؛ فروى عبدُ الرَّزَّاقِ وابنُ أبي شَيْبَةَ، عنه؛ قال:"لا أُفَضِّلُ أُمًّا عَلَى أَبٍ"(1).
ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ وشريحٍ وداودَ: جَعْلُ الثلُثِ فيما ترَكَ كلِّه، فيكونُ للزوجِ النصفُ، وللأمِّ الثلُثُ، وللأبِ ما تبقَّى، وهو السدُسُ.
ولم يذكُر اللهُ الأبَ في الحالةِ الثانيةِ: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} .
وظاهرُ الآيةِ أنَّ للأبِ الباقيَ كلَّه؛ وذلك أيضًا لقولِه صلى الله عليه وسلم: (اقْسِمُوا المَالَ بَيْنَ أَهْلِ الْفَرَائِضِ عَلَى كِتَابِ الله، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ، فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ)(2)، وحقُّه في الباقي بعدَ فرضِه وهو السدُسُ، فهو باقٍ عليه، ثمَّ يأخُذُ الباقيَ زيادةً عليه.
ولا فَرْقَ في الولدِ بينَ الذكَرِ والأُنثى في قولِه: {إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ} ، والولدُ وولدُ الابنِ سواءٌ.
(1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(19020)(10/ 254)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(31063)(6/ 242).
(2)
أخرجه البخاري (6732)(8/ 150)، ومسلم (1615)(3/ 1234).