الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102]؛ لشدةِ الأمرِ وثقَلِهِ على ابِنه، أرادَ بأخذِ رأيِهِ عليه أن تَطيب نفسهُ به، فيكونَ أظهَرَ في الاتباعِ والاحتِسابِ وأقوَى للصبر، والصحابةُ يَعلَمونَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم يرِيدُ قتالَ قريشٍ؛ لهذا قام أبو بكرٍ وعُمَرُ والمِقدادُ بنُ عمرٍو، وقام سعدٌ، فأيَّدُوهُ على إقدامِه.
أهلُ الأعذارِ بتركِ الجهادِ:
والمراد بأُولي الضَّرَرِ في الآية: عبدُ اللهِ بن أم مَكتُوم، ومَن في حُكْمِه؛ فإنَّما نزلَت فيه؛ قال الَبرَاءُ بنُ عازبٍ: "لمَّا نزلَت {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، كلَّمَهُ ابنُ أمِّ مكتومٍ وكان أَعمَى، فنزلَت {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ؛ رواهُ البخاريُّ، عنِ البَراءِ وزَيدِ بنِ ثابتٍ (1).
والضِّرَر في الآية وإن نزَلَ خاصًّا بلفظِه، فهو عامٌّ في حُكمِه؛ ولذا قال ابنُ عبَّاسٍ:"أُولي الضَّررِ: أهلُ العُذرِ"(2).
أجرُ القاعِدِ المعذورِ:
وقدِ اختلِفَ في إدراكِ القاعدِ المعذورِ لفَضْلِ المجاهِدِ:
فمِنَ السَّلَفِ: مَنِ استَثنَى المعذورَ مِنَ التفاضُلِ في الآية، وحمَلَ ما بعدَ الاستثناءِ للمعذورِ مِن فضلٍ على الاستثناءِ السابق، فجَرَّهُ عليه كلِّه؛ ويعضُدُ ذلك: ما في "الصحيح"؛ مِن حديثِ حُمَيدٍ، عن أنسٍ؛ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:(إِنَّ بِالمَدينَةِ أقوَامًا، مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا، وَلَا قَطَعتُمْ وَادِيًا، إِلا كَانُوا مَعَكُم)، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَهُمْ بالمَدِينَةِ؟ ! قَالَ:(وَهُمْ بِالمَدِينةِ؛ حبسَهُمُ العُذر)(3).
ومِنَ السلَفِ: مَن جعلَ الضرَرَ في الآيةِ لرَفعِ الإثم والحرَجِ، وأمَّا
(1) أخرجه البخاري (2831) و (3832)(4/ 24، 25)، ومسلم (1898)(3/ 1508).
(2)
"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 1043).
(3)
أخرجه البخاري (4423)(6/ 8).
في الفضلِ، فالمُجاهِدونَ أفضَلُ مِن القاعِدينَ ولو كانوا مَعذورِينَ، فحمَلَ أوَّلَ الآيةِ على رفعِ الحَرَجِ عنهم، وفي آخرِها ذكَرَ فَضلَهُم عليهِم، وهو قوله {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}؛ وذلك لقرينةِ ذِكرِ اللهِ للحُسنى للجميعِ؛ لأنَّ القاعدَ غيرَ المعذورِ في جهادِ فرضِ التعيينِ: مَقامهُ مقامُ وعيدٍ، لا مقامُ وَعْدٍ، ومقامُ تهديدٍ، لا مقام فضلٍ؛ وبمعنى هذا قال ابنُ جُرَيجٍ وغيرُه (1).
والأظهرُ: أن الأصلَ أنَّ القاعدَ المعذورَ يأخُذ أجرَ المجاهِدِ بمقدارِ ما يقَعُ في قلبه، كما يختلفُ المجاهِدونَ بحسَب ما يقعُ في قلوبِهم، فيتَبايَنُ فضلُ القاعِدينَ المعذورِينَ فيما بينَهم، كما يتَبايَنُ فضلُ المجاهِدِينَ النافِرِينَ فيما بينهم؛ فالقاعدُ المعذورُ الذي يَحزَنُ لعُذرِهِ غير القاعدِ المعذورِ الفَرِحِ بعُذرِه، وربَّما تساوى القاعِدُ بالمجاهِد، بل وربَّما يفضُلُ القاعد المعذورُ المجاهدَ النافرَ؛ لأن القاعدَ، وجَدَ حسرةً شديدة على عذرِه، والمجاهدَ تمنَّى القعودَ وكَرِهَ الخروجَ واستثقَلَهُ، وإنما سببُ خروجِه خشيةُ الناسِ وحديثهم.
والقاعدُ المعذوز يأخُذ أجرَ أصلِ الجهادِ والخروجِ الذي يَشترِكُ فيه الجميعُ؛ مِنَ السَّيرِ وقِتَالِ العدو، ولا يأخُذُ ما يختص له المجاهِدُ عن المجاهدِ في الغزوِ؛ كأجرِ الشهادة، وعاقبتِها، وفضلِ الموتِ بها، وأجرِ قتلِ الكافرِ؛ كما في الحديثِ:(لَا يَجتَمِعُ كَافِرٌ وَقَاتِلُهُ فِي النَّارِ أبدًا)(2)، وكأجرِ الإثخانِ والأسرِ؛ فهذا لا يَشترِكُ فيه المجاهدونَ أنفسُهم؛ فيتَمايَزونَ بينَهم بحسَبِ إقدامِهم وتقديرِ الهَمِّ، فما يتبايَنُ فيه المجاهِدون أنفُسهم منَ الفضلِ لا يُساويهم فيه القاعِدونَ؛ ففي الحديثِ: (مَا سِرْتم
(1) ينظر: "تفسير الطبري"(7/ 375)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 1043).
(2)
أخرجه مسلم (1891)(3/ 1505)؛ من حديث أبي هريرة.