الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأعراضُ، فلا يَدفَعُ الرجلُ عن مالِهِ وعِرْضِهِ؛ لعدمِ البيِّنة، بل له في الشرعِ ذلك، ولا يُحاسَبُ عليه في الآخِرة، وحدودُ الدُّنيا إنَّما هي لضبطِها واستقامةِ أمرِ الناسِ وحالِهم، واللهُ أعلَمُ.
* * *
* قال تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} [النساء: 31].
بعدَما ذكَرَ اللهُ حدودَهُ والذنوبَ والكبائرَ، بيَّنَ وجوبَ الإقلاعِ عنها لنَيْلِ عفوِ اللهِ وصَفْحِهِ ومسامَحتِه، ومَن اجتنَبَ الكبائرَ، كان تركُهُ لها موجِبًا لعفوِ اللهِ له عن الصغائرِ واللَّمَمِ.
التوبةُ من الصغائر، مع وجود الكبائر:
ومَن تاب مِن صغيرةٍ مستوفيًا شروطَ التوبة، قُبِلَتْ توبتُهُ ولو كان مقيمًا على كبيرةٍ أخرى، لأنَّ اللهَ اشترَطَ لتكفيرِهِ وعفوِهِ عن ذنوبِ عبدِهِ الصغائرِ إنْ لم يتُبْ منها أنْ يَجتنِبَ الكبائرَ ولو لم يَتُبْ مِن صغائرِهِ بنفسِه.
تكفيرُ الصغائر بالأعمالِ الصالحةِ؛ مع وجودِ الكبائر:
وقد اختلَفَ العلماءُ في تكفيرِ الأعمالِ الصالحةِ للصغائر، مع وجودِ الكبائرِ:
فذهَبَ أكثرُ العلماءِ - وحَكَى ابنُ عبدِ البَرِّ إجماعَ العلماءِ (1) - إلى أنَّ الصلواتِ الخمسَ والجمعةَ ورمضانَ لا تُكفِّرُ الصغائرَ لِمَنْ هو مقيمٌ على كبائرَ، وأنَّ اجتنابَ الكبائرِ شرطٌ لتكفيرِ الأعمالِ الصالحةِ للصغائرِ؛ وذلك لِمَا ثبَتَ في "صحيحِ مسلمٍ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛
(1)"التمهيد"(4/ 49).
قال: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَة، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ: مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ)(1).
وبنحوِه عندَ مسلمٍ عن عثمانَ في الصلاةِ (2).
وجاء عندَ النَّسائيِّ، مِن حديثِ أبي هريرةَ وأبي سعيدٍ: تقييدُ الاجتنابِ للسبعِ المُوبِقاتِ حاصَّةً لتكفيرِ الصغائرِ؛ قال صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ، ويُخْرِجُ الزَّكَاةَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ، إِلَّا فُتِّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، فَقِيلَ لَهُ: ادْخُلْ بِسَلَامٍ)(3).
ورواهُ أحمدُ وغيره منِ حديثِ أبي أيوبَ (4).
وجاء موقوفًا عن ابنِ مسعودٍ وسَلْمانَ الفارسيِّ اشتراطُ تقييدِ التكفيرِ باجتنابِ الكبائرِ (5).
ومِن العلماءِ: مَن يَرى تكفيرَ الصلواتِ والجمعةِ ورمضانَ للصغائرِ بكلِّ حالٍ ولو لم تُجتنَبِ الكبائرُ:
والأولُ أصحُّ؛ لظاهِرِ الأدلَّةِ وتصريحِها.
ويُستثنى مِن هذا: ما جاء مُطلَقًا بتكفيرِ الذنوبِ مِن غيرِ قيدٍ؛ كالحَجِّ؛ كما في قولِه صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ، فَلَم يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ)(6)، وكما في تكفيرِ صومِ يومِ عرفةَ وعاشوراءَ.
فتُحمَلُ هذه النصوصُ على عمومِها وسَعَتِها؛ فرحمةُ اللهِ أوسَعُ.
(1) أخرجه مسلم (233)(1/ 209).
(2)
أخرجه مسلم (228)(1/ 206).
(3)
أخرجه النسائي (2438)(5/ 8).
(4)
أخرجه أحمد (23502)(5/ 413)، والنسائي (4009)(7/ 88).
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7643) و (7644)(2/ 159).
(6)
أخرجه البخاري (1819)(11/ 3)، ومسلم (1350)(2/ 983).