الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان عَلَيْهِ مِنَ الثبوتِ تبَعًا لنصٍّ متعلِّقٍ بحالٍ أُخرى، وهي الإقامةُ، ولَمَّا ثبَتَ بنفسِه، دلَّ عَلَى تغايُرِ حُكْمِهِ عنِ الحضَر، ولم تُرِدْ غيرَ ذلك.
ولا يصحُّ أن نجعلَ مِن حديثِ عائشةَ قولًا لها في وجوبِ القَصْرِ وقد ثبَتَ عنها أنَّها كانت تُتمُّ الصلاةَ في السفرِ؛ كما قال عطاءٌ: "لا أعلَمُ أحدًا مِن أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم كَان يُوفِي الصلاةَ في السَّفَرِ إلَّا سعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ، وكانَت عائشة تُوفِي الصلاةَ في السفرِ وتصومُ"؛ رواهُ عبدُ الرزَّاقِ والطَّحاويُّ وابنُ المُنذرِ (1)؛ وهو صحيحٌ.
ورواهُ عنها عُرْوةُ، أخرَجَهُ عبدُ الرزَّاقِ (2).
وجاء عنها أيضًا أنَّها كانَتْ تقصُرُ في السفَرِ؛ رواهُ عنها ميمونُ بنُ مِهْرانَ وعُرْوةُ، الأَوَّلُ رواهُ عبدُ الرزَّاقِ (3)، والثاني رواهُ ابنُ جَريرٍ (4).
وثبَتَ القصرُ بعدَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن الصحابةِ؛ كأبي بكرٍ وعُمَرَ وعثمانَ وعليٍّ وابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ وجابرٍ وأبي موسى وأنَسٍ وأبي بَرْزَةَ وسَلْمَانَ وغيرِهم.
سببُ إتمامِ بعضِ السلفِ للصلاةِ في السَّفَرِ:
وما وَرَدَ عن بعضِهم مِن الإتمامِ في السفر، فليس هو عَلَى الخلافِ في أصلِ الرُّخصةِ؛ وإنَّما خِلافُهم في ذلكَ لسبَبَيْنِ:
الأوَّلُ: لاختلافِهم في التفاضُلِ بين القصرِ والإتمامِ.
الثاني: لاختلافِهم في تقديرِ حقيقةِ السفرِ الذي رُبِطَتْ به رُخْصةُ القَصْرِ ونوعُهُ، وتقديرُ الإقامةِ وحالِها ومُدَّتِها، وحالِ المسافرِ وقَصْدِه.
(1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(4459)(2/ 560)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 424)، وابن المنذر في "الأوسط"(4/ 385).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(4461) و (4462)(2/ 561).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(4463)(2/ 561).
(4)
"تفسير الطبري"(7/ 410).
وعلى هذا يُحمَلُ ما جاء عن عائشةَ وسعدٍ كما سبَقَ، وما جاء كذلك عن المِسْوَرِ بنِ مَحْرَمَةَ، وعبدِ الرحمنِ بنِ عبد يَغوثَ.
وأمَّا ما جاء في الخبرِ عن عُمرَ (1) وابنِه (2): "صلاةُ السَّفَرِ ركعَتانِ تمامٌ غيرُ قصرٍ"، وبنحوِه قال جابرٌ (3)، فالمرادُ بذلك الأجرُ والثوابُ والجزاءُ وليس العَدَدَ، حتَّى لا يظُنَّ أحدٌ أن أَجْرَهُ يَنقُصُ فيَغلِبُهُ التعبُّدُ إلى الإتمامِ وتركِ السُّنَّة، وهذا المعنى الذي بيَّنَهُ ابنُ عبَّاسٍ وابنُ عمرَ لرجلٍ أتَمَّ في السفرِ وصاحِبُه يَقصُرُ، فقالا له:"بل أنتَ الذي كنتَ تَقصُرُ، وصاحبُك الذي كان يُتِمُّ! " رواهُ مجاهدٌ عنِ ابنِ عبَّاسِ؛ أخرَجَه ابنُ أبي شيبةَ (4)؛ ورواهُ قتادهُ عنِ ابنِ عمرَ، عندَ عبد الرزَّاقِ (5).
ومُرادُهما تمامُ الاتِّباعِ وقصورُهُ، وليس المرادُ تشابُهَ الحُكمِ وبطلانَ صلاةِ السفرِ بالزيادة، كبُطْلانِ صلاةِ الحضرِ بالنَّقصِ والزِّيادة، ولم يثبُتْ عن أحدٍ مِن الصحابةِ: أنَّه قال بذلك، وقد جاء عن ابنِ عبَّاس:"مَن صلَّى في السَّفَرِ أربعًا، كان كمَنْ صلَّى في الحضَرِ ركعتَينِ"(6)، رواهُ الضحَّاكُ بنُ مُزاحِمٍ عنه، ولم يَسمَعْه منه، قال شُعْبةُ وابنُ المَدِينيِّ وأبو زُرْعَةَ وابنُ حِبَّانَ: وقد سُئِلَ هو عن سماعِه منِ ابنِ عبَّاسٍ، فنَفاهُ (7).
وقد جاء عندَ عبدِ الرَّزاق، وعنه الطبرانيُّ، عنِ النَّخَعيِّ، عنِ
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(8156)(2/ 203).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه"(8167)(2/ 204).
(3)
أخرجة أبو داود الطيالسي (1789)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(3/ 263).
(4)
أخرجة ابن أبي شيبة في "مصنفه"(8173)(2/ 205).
(5)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(4465)(2/ 561).
(6)
أخرجه أحمد (2262)(1/ 251).
(7)
ينظر: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 458)، و"تهذيب الكمال"(13/ 294).