الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيطانُ البُعْدَ والرَّدِّةَ عن دينِه؛ لهذا كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أشدَّ الناسِ صبرًا وتحمُّلًا لمُخالِفِيه، ويجبُ أنَّ يكونَ أهلُ اتِّباعِه مِن العلماءِ والمُصلِحِينَ على سبيلِه في هذا.
سياسةُ المخالِفِينَ بالخِلْطةِ والهجر:
ومِن هذا النوعِ مُنافِقونَ على اختلافِ مراتبِ نفاقِهم، فهجْرُهم يُبعِدُهم، ووَصْلُهُمُ يُؤلِّفُهم وَيَكْفِيهِم والمسلِمينَ شرَّهم، فيُوصَلُونَ ولو أخطَؤُوا؛ لمصلحتِهم؛ فلا يَبتَعِدُونَ، ولمصلحةِ المسلِمينَ؛ ألَّا يُؤذُوهُم فيُوالُوا عليهم عدوَّهم.
والواجب على المُصْلِحِ: أنْ يَسُوسَ الناسَ بما يُصلِحُهم ويُقرِّبُهم، وبما يُقلِّلُ شرَّهم وَيزِيدُ في خيرِهم، لا بما يَهْوَاهُ، فربَّما وجَدَ المُصلِحُ في نفسِه حبًّا بهجرِ أحدٍ ومَلَلًا مِن قُرْبِه، فإذا أخطَأَ، مالَتْ نفسُهُ لهجرِه؛ يظنُّ أنَّه يهجُرُ لله وإنَّما يهجُرُ لحظِّ نفسِهِ وهواه.
والهجرُ يجبُ أنْ يكونَ بمقدارِ الإصلاحِ؛ فمَن هَجْرُهُ لشهرٍ يُصلِحُه، لا يجوزُ هَجْرُهُ فوقَ ذلك، ومَن هَجْرُهُ لعامٍ يُصلِحُه، لا يجوزُ هجرُهُ فوقَ ذلك، وكلَّما زادَ الهجرُ بلا حاحةٍ، عَظُمَ الإثمُ على الهاجرِ؛ فعن أبي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ رضي الله عنه؛ أنَّه سمِعَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ:(مَنْ هَجَرَ أخَاهُ سَنَةً، فَهُوَ كسَفْكِ دَمِهِ)(1).
بذلُ السلامِ بالكلامِ والإشارة:
وتتضمَّنُ الآيةُ التحيَّةَ بالإشارةِ ممَّن يَعْجِزُ عن الكلامِ؛ لقوله: {إِلَّا رَمْزًا} ، والأصلُ: مشروعيةُ السلام بالكلام المسموعِ إلا لمَن يَعجِزُ عن الكلام، أو حالَ بينَهُ وبينَ أخيهِ حائلٌ، أو كان المخاطَبُ بعيدًا لا يَسمَعُهُ، أو كان أصمَّ لا يَسمَعُ، فيكتفي بالإشارةِ؛ لما رواهُ النَّسَائِيُّ، عن
(1) أخرجه أحمد (17395)(4/ 220) ، وأبو داود (4195)(4/ 279).
أبي الزُّبيرِ، عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ؛ أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال:(لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيمَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ فَإن تَسْلِيمَهُمْ بِالأَكُفِّ وَالرُّؤُوسِ وَالإِشَارَةِ)(1).
ولو قرَنَ الإشارةَ بالسلامِ حتى مع البعيدِ، أو مع مَن حالَ دونَ سماعِه حائلٌ، فهو أَوْلى وأَتْبَعُ للسُّنَّةِ؛ فعن أسماءَ بنتِ يزيدَ الأنصاريَّةِ رضي الله عنهما، أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ في المسجدِ يومًا وعُصْبَةٌ مِن النساءِ قُعُودٌ، فأَلْوَى بيدِه إليهنَّ بالسلامِ، رواهُ أحمدُ والترمذي (2).
وفي قولهِ تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} دليل على فضلِ ذِكْرِ اللهِ، وأنَّ اللهَ اسْتَثْنَى ذِكْرَهُ مِن عجزِ زكريَّا عن الكلامِ؛ لأنَّ الذِّكْرَ غذاءُ القلبِ وبتركِهِ يموتُ، فيَصبِرُ الإنسانُ عن الكلامِ، ولا يَصبِرُ عن ذِكرِ اللهِ؛ فقد روى الطبريُّ، عن أبي مَعْشَرٍ، عن محمدِ بنِ كعبٍ؛ قال: لو كان اللهُ رخَّصَ لأحدٍ في تَرْكِ الذِّكْرِ، لرخَّصَ لزكريَّا؛ حيث قال:{آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا} (3).
* * *
قال تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)} . [آل عمران: 39].
يُحتمَل في الصلاةِ هنا مَعْنَيَانِ:
الأولُ: الدعاءُ.
الثاني: الصلاةُ المعروفة عندهم، وبهذا قال السُّدِّيُّ وغيرُه.
(1) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى"(10100)(9/ 134).
(2)
أخرجه أحمد (27589)(6/ 457)، والترمذي (2697)(5/ 58).
(3)
"تفسير الطبري"(5/ 391).