الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُعجْمَةُ، فغيَّرتِ اللِّسانَ وبدَّلَته، فتُسمَّى عربيَّةً في مقابلِ العجميَّةِ، لا بالنسبةِ لفصاحتِها وبيانِها، وما زال اللسانُ العربيُّ يَضعُفُ عندَ العامَّةِ والخاصَّةِ حتى استعجَمَ كثيرٌ مِن القرآنِ على كثيرٍ مِن العربِ.
والمُحْكَمُ ضدُّ المُتشابِهِ، وهو ما لا يحتمل في الشريعةِ إلا قولًا ووجهًا سائغًا واحدًا، وعرَّف أحمدُ المحكَمَ: بأنه الذي ليس فيه اختلافٌ (1) ومرادُهُ: ما استقَلَّ بالبيانِ ننفسِهِ، فلم يحتجْ لغيرِهِ؛ فقد روى ابنُ أبي حاتمٍ، وابنُ المُنذِرِ، والطَّبَرِيُّ، عن عليِّ بنِ أبي طلحةَ، عن ابنِ عباسٍ؛ قال:"مُحْكَمَاتُ الكِتابِ: ناسِخُه، وحلالُه وحرامُه، وحُدُودُه وفرائضُه، وما يُؤمَنُ به ويُعملُ به".
وبنحوِ هذا فال عكرمةُ ومجاهدٌ وقتادةُ وغيرُهم (2).
والمُتشابهُ: ما تَرَدَّدَ معناهُ بينَ معنيَيْنِ أو أكثرَ بوجهٍ سائغٍ.
روى ابنُ المُنذِرِ وغيرُه، عن عليٍّ بنِ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عباسٍ؛ قال:"المُتشابِهاتُ: مَنسُوخُه، ومُقَدَّمُه ومُؤَخَّرُه، وأَمْثالُه وأَقْسَامُه، وما يُؤمَنُ به ولا يُعمَلُ به"(3).
ما لا يُنْتسخُ من الوحي:
ويدخلُ النسخُ الأحكامَ، ولا يدخُلُ من الوحيِ المنزَّلِ ثلاثةً:
أولًا: العقائدُ؛ لأنَّها إخبارٌ عن الخالقِ وحقِّه، وهي سببُ الإيجادِ:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]؛ يعني؛ يُوحِّدوني ويُطِيعوني، ونَسْخُها نسخٌ للحِكْمةِ الأُولى مِنَ الخَلْقِ وإبطالٌ لها؛ ولهذا
(1)"مسائل ابن هانئ لأحمد"(2/ 166).
(2)
"تفسير الطبري"(5/ 193) ، و "تفسير ابن المنذر"(1/ 117)، و "تفسير ابن أبي حاتم"(2/ 592).
(3)
"تفسير الطبري"(5/ 193)، و "تفسير ابن المنذر"(1/ 119)، "تفسير ابن أبي حاتم"(2/ 593).
تختلفُ شرائعُ الأنبياءِ، وتتَّفقُ عقائدُهم وأصولُ عباداتِهم للهِ؛ قال صلى الله عليه وسلم:(وَالأَنبِيَاءُ إِخْوةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ)؛ رواهُ البخاريُّ (1).
والدِّين هو أصُولُهم، والأُصُولُ كالأَنْسَابِ، فيُنسَبُ الأبناءُ لآبائِهم وإنِ اختلَفَتْ أمَّهاتُهم وتعدَّدتْ، وأبناءُ الأمَّهاتِ مَحَارِمُ لأزواجِ آبائهم؛ يعني: أن أصولَ فُرُوعِهم وإنِ اختلَفَتْ فتَختلِفُ صورةً، وَيَبْقَى التَّشابُهُ في أصلِ التشريعِ؛ فالصلاةُ شريعةُ الأنبياءِ واحدةُ، ولكنْ تختلِفُ في صورتِها وعددِها ووقتِها.
والعقائدُ عليها فُطِرَ الإنسانُ، واختلافُ العقائدِ وأصولِ الشرائع تبديلٌ للفِطرةِ:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30]، وإذا غُيِّرَت أصولُ العقائدِ، فلا بدَّ أنْ تُغيَّرَ الفِطرةُ لِتَتَوَافَقَ معها، ولكن لمَّا كانت أصولُ العقائدِ ثابتةً لا تتغيَّرُ، ثَبتَتِ الفِطرةُ، وقضَى اللهُ بذلك لها:{لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} .
ثانيًا: الآدابُ والأخلاقُ؛ لأنَّ الإنسانَ فُطِرَ عليها، وهي صِلَتُهُ مع جِنْسِه، ونَسْخُها تبديلٌ للفِطْرةِ وإفسادٌ لصِلَةِ الخَلْقِ؛ كالصِّدْقِ والأمانةِ، والوفاءِ بالعهدِ، وإكرامِ الضيفِ، والعفافِ.
فنَسْخُ العقائدِ إفسادٌ لصِلةِ المخلوقِ بالخالقِ، ونسحُ الأخلاقِ والآدابِ إفسادٌ لصِلَةِ الخَلْقِ فيما بينَهم.
ثالثًا: الأَخبَارُ؛ لأنَّ نسْخَها تكذيبٌ للمُخبِرِ؛ لذا كلُّ ما يُخبِرُ به نبيٌّ مِن أنبياءِ اللهِ، فلا بدَّ أنْ يقَعَ لا يُنسَخَ، والنبيُّ يُخبِرُ عن ربِّه، ونسخُ الأخبارِ تكذيبٌ له سبحانَه.
ويدخُلُ في الأخبارِ أحوالُ السابقِينَ واللاحِقينَ؛ مِن أشراطِ الساعةِ، وأحوالِ الخَلْقِ بعدَ موتِهم مِن حياةِ البرزخِ والبعثِ والنشورِ،
(1) أخرجه البخاري (3443)(4/ 164).