الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَجِيحٍ، عن مُجاهدٍ؛ قال:"نزلَت في اليهودِ"؛ رواهُ ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ (1).
ورواهُ ابن المنذِر، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن مجاهِدٍ، به (2).
والأصحُّ: أنَّها في المُسلِمِينَ بمكةَ؛ لِما تقدَّمَ عن ابنِ عبَّاسٍ، وبنحوِه صحَّ عن قتادةَ؛ رواهُ ابن المُنذِرِ وابنُ جريرٍ (3)، وصحَّ عن عِكْرِمةَ؛ رواهُ ابنُ جريرٍ (4).
ويُؤيِّدُ هذا: أن ابنَ عبَّاسٍ قد فسَّرَ الزكاةَ في الآيةِ بغيرِ النفقةِ؛ لأنَّ الزكاةَ لم تُفرَضْ بعدُ؛ فروى عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ قال:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} ؛ يعني: طاعةَ اللهِ والإخلاصَ (5).
أسبابُ النصرِ والتمكينِ، وأنواعُهَا:
وهي هذه الآيةِ: وجوبُ اجتماعِ أسبابِ النصرِ والتمكينِ عندَ مجاهَدةِ العدوِّ، والأسبابُ في ذلك على نوعَينِ: أسبابٌ شرعيَّةٌ، وأسبابٌ كونيَّةٌ، وقد اجتمَعَ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم في مكةَ الأسباب الشرعيَّةُ، ولم تجتمِعْ له الأسبابُ الكونيَّةُ:
أمَّا الأسبابُ الشرعيَّةُ: فهي الصِّدْقُ مع الله، والعدلُ في حقِّه وحقِّ الخَلْقِ، ومَن كانوا مع النَّبيِّ في مكةَ هم أفضلُ أهلِ الأرضِ في زمانِهم، وأفضلُ الصحابةِ الذين جاؤُوا مِن بَعْدِهم، ولكنَّ عَدَدَهم قليلٌ وعُدَّتَهم ضعيفةٌ، فما حَمَلَهم كمالُ إيمانِهم وتمامُ فَضلِهم على تركِ السببِ الكونيِّ، وهو القوةُ والقُدْرةُ، ولمَّا قَصَرُوا عنها قال اللهُ لهم: {كُفُّوا
(1)"تفسير الطبري"(7/ 233)، و "تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 1003).
(2)
"تفسير ابن المنذر"(2/ 793).
(3)
"تفسير الطبري"(7/ 232)، و "تفسير ابن المنذر"(2/ 794).
(4)
"تفسير الطبري"(7/ 232).
(5)
"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 1004).
أَيْدِيَكُمْ}؛ لأنَّه قد يُهزَمُ المؤمِنُ الصادِقُ؛ لِضَعْفِ عُدَّتِه، وقلةِ عَدَدِه، مِن الكافرِ الظالمِ؛ لقوةِ عُدَّتِه، وكثرةِ عَدَدِه؛ لأنَّ اللهَ الذي أنرَلَ الأسبابَ الشرعيَّة، هو الذي أوجَدَ الأسبابَ المادِّيَّةَ، والأخذُ بهما مِن الإيمانِ باللهِ، وليس المأمورُ به مساواةَ العدوِّ بالعَدَدِ والعُدَّةِ أو غَلَبَتَهُ بها؛ بل أنْ يكونَ في المُسلمينَ قوةُ عُدَّةٍ وكثرةُ عَدَدٍ، يَقْوَوْنَ بإيمانِهم مِن غَلَبَةِ العدوِّ ولو كان أكثَرَ منهم.
والأسبابُ الشرعيَّةُ كثيرةٌ؛ أصلُها الإيمانُ بالله، والتزوُّدُ بالعملِ الصالحِ؛ فإنَّ العباداتِ تُثَبِّتُ عندَ الشدائدِ، وقد كان الله يأمُرُ بها كلَّ نبيٍّ، فلا يكونُ الاستِخلافُ والتمكينُ إلَّا لمَن أطاعَهُ وعدَلَ مع خَلْقِهِ:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور: 55].
وبمقدارِ الإيمانِ والطاعةِ يكونُ الاستخلافُ والتمكينُ، والطاعةُ هي الحضوعُ للهِ والتذلُّلُ لأمرِه، وهي باعتبارِ التمكينِ والنصرِ على نوعَيْنِ:
الأوَّلُ: طاعةٌ في حقِّ اللهِ الخالِصِ كتوحيدِهِ وعبادتِه؛ مِن صلاةٍ وصيامٍ، وحجٍّ وعُمْرةٍ، وذِكْرٍ وبِرٍّ؛ فهذا النوعُ وعَدَ الله الأفرادَ والجماعاتِ التي تقومُ به بالعِزَّةِ والرِّفعة، وهي في الأفرادِ آكَدُ وأقرَبُ وأشدُّ مِن الجماعاتِ؛ فالفردُ موعودٌ بسَعَةِ الصدرِ واليقينِ والثباتِ والرِّضا، وكلَّما استزادَ مِن العبادة، زادَهُ الله مِن وَعْدِهِ له بذلك؛ قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، والحياةُ الطيِّبةُ شاملةٌ للدُّنيا والآخِرة، كما في قولِه تعالى في ضدِّ ذلك؛ {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].
وكذلك: فإنَّ الجماعاتِ المؤمِنةَ باللهِ يجعَل اللهُ لها من الرحمةِ ما
ليس للجماعاتِ والأمَمِ الكافرة، ولو نزَلَ بالمؤمنةِ بلاءٌ، فهو تطهيرٌ وتمييزٌ لها مِن خَبَثِها.
ولكنَّ العِباداتِ المُتعلِّقةَ بحقِّ اللهِ الخالصِ تتعلَّقُ في الدُّنيا بقِوَامِ الأفرادِ وثَبَاتِهِم أعظَمَ مِن تعلُّقِها بقِوَامِ الدُّوَلِ والجماعات، وتعلُّقُ قِوامِ الجماعاتِ والدولِ بالنوعِ الثَّاني مِن عِبادةِ اللهِ أعظَمُ؛ وهو ما يلي:
النوعُ الثَّاني: طاعةُ اللهِ في حقِّ العِبادِ؛ مِن إقامةِ الحدود، وإعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه، ورفعِ الظُّلْمِ والجَورِ الذي أوجَدَ الله في الفِطْرةِ نُفُورًا منه، فلا يُمَكِّنُ اللهُ لدولةٍ مؤمنةٍ به ظالمةٍ لخَلْقِه؛ لأنَّ حقَّ اللهِ يُؤَجِّلُهُ في الآخِرة، وحَقَّ عِبادِه يُعَجِّلُهُ في الدُّنيا، وهذا مُقتضى عدلِه في الخَلْقِ، فيُمَكِّنُ للحاكِم العادلِ مع الخَلْقِ ولو كان كافرًا بالخالق، ولا يُمكِّنُ للحاكِمِ الظالمِ مع الخَلقِ ولو كان مؤمنًا بالخالقِ.
والأسبابُ الشرعيَّةُ - وخاصَّةً العباداتِ - أن غابتْ من القلبِ واللِّسانِ والجوارحِ، لم يكن للإنسانِ تعلُّقٌ بربِّه، ولم يكنْ رَبُّهُ مُعِينًا له؛ لهذا يكونُ ميزانُ النصرِ ماديًّا كونيًّا فقطْ؛ إذْ لا عَوْنَ ربانيًّا له، وإذا وُجِدَتِ الأسبابُ الشرعيَّةُ، عَوَّضَتِ النقصَ والتفاوُتَ الكونيَّ المادِّيَّ بينَ أهلِ الحقِّ وأهلِ الباطلِ؛ حتَّى ربَّما ينتصِرُ أهل القِلَّةِ الشديدةِ على أهلِ الكثرةِ الكبيرة، والحدُّ الفاصلُ في ذلك: مرهونٌ لاعتبارِ الموجودِ والمفقودِ مِن السببَينِ الشرعيِّ والكونيِّ، ووزنُ ذلك بما لا يخرُجُ عن الوحي والحسِّ، فمَراتبُ النَّاسِ تبايَنُ؛ فقد تَقوَى الأسبابُ الشرعيَّةُ جِدًّا حتَّى يَكونَ أدنى الأسبابِ الكونيَّةِ وأقلُّها معها كافيًا في النصرِ؛ كمُوسَى وعَصَاهُ؛ فإنَّ اللهَ نَصَرَهُ بها، وليس كلُّ الناسِ كمُوسَى، وموسى لو لم يُؤمَرْ مِن ربِّه بالاكِتفاءِ بالعَصَا، لم يَكْتَفِ بها؛ فإنَّ الإنسانَ مأمورٌ بالمُوازَنةِ ينَ الأسبابِ الكونيَّةِ والشرعيَّةِ.