الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأصلُ في الطعامِ الحِلُّ:
وفي الآيةِ: دليلٌ على أن الأصلَ في الطعامِ الحِلُّ، وجميع ما أوجَدَهُ اللهُ في الأرضِ مِن مأكولٍ وملبوسٍ ومشروبٍ ومسكونٍ ومفروشٍ، وقد تقدَّمَ ذلك في قولِ اللهِ تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] وفي قولِه: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168].
حكمُ تحريمِ الحلالِ وأنواعه:
ويظهر أنَّ تحريمَ شيءٍ من الطعامِ على النفسِ كان في شرعَةِ يعقوبَ جائزًا، وأمّا في شرعَةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فغير جائزٍ، وتحريم الإنسانِ الطعامَ على نفسِهِ أَخَفُّ مِن تحريمِه على الناسِ؛ لأن تحريمَ الحلالِ على حالينِ:
الأول: تحريمٌ خاصٌّ عارضٌ؛ كمَن يحرِّمُ على نفسِه طعامًا، خوفًا مِن مرضٍ أو سِمنةٍ، أو طلبًا للصِّحةِ، أو خشيةً مِن ألَّا تدومَ النعمةُ فتنقطعَ فتَتَبعه النفس؛ فهذا لا بأسَ به.
الثاني: تحريم عام على الناسِ، وهذا تشريع وحق للهِ ليس لأحدٍ مِن خَلقِه.
وتحريم الرجل طعامًا واحدًا أو أكثرَ على نفسِه - تديُّنًا - لا يجوز بحالٍ؛ لأنَّه معارَضةٌ لتشريعِ اللهِ في حُكْمِه، وإذا كان لمقصدٍ آخَرَ غيرِ التعبُّدِ، فقد مَنَعَ اللهُ المؤمنينَ مِن ذلك، وكل تحريم لِما أحَله اللهُ يدخُلُ في عمومِ قولِه:{لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا} [المائدة: 87].
ولما حَرَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم على نفسِه العَسَلَ، أنزَلَ الله عليه قولَه تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)}
[التحريم: 1] ، وسبب النزولِ في "الصحيحَينِ" من حديثِ عائشةَ (1).
* * *
قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)} [آل عمران: 96].
فيه منزلة البيت العَتيقِ المسجدِ الحرام مسجدِ الكعبةِ وقدَمُه، وقد وضعَ قواعدَة إبراهيمُ وابنه إسماعيلُ، كما في قولِه تعالى:{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ} [البقرة: 127]، وقيل: إنَّ المرادَ بالوضعِ في الآيةِ: هو وضع البَرَكَةِ والهُدى للناسِ، لا وضعُ البناءِ، فوضعُ القواعدِ شيءٌ، ووضع البيتِ شيءٌ، ووضعُ الهدايةِ والبَرَكةِ والأمانِ فيه شيء آخَرُ؛ فما كل أحكامِ البيتِ الحرامِ نزَلت مرةً واحدةً؛ ولذا جاء عندَ البيهقي؛ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو مرفوعًا:(أن اللهَ أمرَ آدَمَ وَحَوَّاء بِبِنَاءِ البَيتِ وَالطَوَافِ فِيهِ)(2)، ولا يصح.
وصحَّ عن بعضِ السلفِ، كقتادةَ؛ أن أولَ مَن طافَ به آدمُ.
وفي ذلك بعضُ الأقوالِ عن وهبِ بنِ منبه وغيرِه.
وليس في ذلك شيءٌ مرفوعٌ صحيحٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم يُعتمَدُ عليه.
وفي "الصحيحينِ"، عن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: قلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَي مسجِدٍ وُضِعَ في الأرْضِ أولُ؟ قَالَ:(المَسْجِد الحَرَامُ)، قُلت: ثُمَّ أي؟ قَالَ: (المَسْجِدُ الأقصَى)، قلتُ: كَم بَينَهمَا؟ قَالَ: (أربَعُونَ سَنَةً، وَأينَمَا أَدرَكتكَ الصلاةُ، فَصَلِّ، فَهُوَ مسجِدٌ)(3).
(1) أخرجه البخاري (5267)(7/ 44)، ومسلم (1474)(2/ 1100).
(2)
"دلائل النبوة" للبيهقي (2/ 45).
(3)
أخرجه البخاري (3366)(4/ 145)، ومسلم (520)(1/ 370).