الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قصدُ القتل، وانتَفَى معه السلاحُ الذي يَقتُلُ مِثلُه عادةً؛ كمَن رمى بعودٍ أو حصاةٍ لا يَقتُلُ مِثلُها عادةً؛ ولو توافَرَتِ العداوةُ؛ فما كلُّ عداةٍ يُرادُ منها القتلُ؛ فالناسُ يتَخاصَمُونَ ويقَعُ منهمُ السَّبُّ واللَّعْنُ واللَّطْمُ ونحوُ ذلك، ولا يَقصِدونَ القتلَ.
ومِن هذا النوعِ ما في "الصحيحَيْنِ"، عن أبي هُرَيْرةَ؛ قال:"اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِحَجَرٍ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَاختَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ وَليدَةٌ، وَقَضَى بدِيَةِ المَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا"(1).
وأنكَرَ بعصُ الأئمَّةِ قتلَ شِبْهِ العمد، فجعَلُوا القتلَ خطأً وعَمْدًا، وأدخَلُوا شِبْهَ العمدِ في العمد، ولو ماتَ بالعَضَّةِ واللَّطْمةِ؛ وهو قولُ مالكٍ واليثِ.
والصحيحُ ثبوت هذا النوعِ؛ وقد قضى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم وبعضُ الخلفاءِ والصحابة، ولا مُخالِفَ لهم منهم، ولكنَّ ديةَ قتلِ شبهِ العمدِ تُغلَّظُ لا كالخطأِ.
ديةُ شبهِ العَمْدِ:
وجمهورُ العلماءِ: على أنَّ ديةَ شبهِ العمدِ على العاقلة، لا على القاتلِ مِن مالِه؛ خلافًا لمالكٍ؛ إذْ جعَلَ شبهَ العمدِ عمدًا.
والأوَّلُ أصحُّ؛ فقد جعَلَ النبيُّ ديةَ الجنينِ على عاقلةِ المرأةِ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"، مع أنَّها رمَتْ بحجرٍ.
كفَّارةُ قتلِ العمدِ وشبهِهِ:
واختلَفَ الأئمةُ في كفارةِ القتلِ العمدِ وشِبهِه، مِن تحريرِ رقبةٍ وديةٍ
(1) سبق تخريجه.
عندَ العفوِ عنِ القَوَدِ، على قولَيْنِ؛ هما قولانِ لمالكٍ، وروايتانِ عن أحمدَ:
الأوَّلُ: في العمدِ وشِبْهِهِ الديةُ كالخطأِ؛ وهو قولُ الشافعيِّ.
الثاني: فيه الكفارةُ؛ وهو قولُ مالكٍ وأحمدَ المشهورُ عنهما وأبي حنيفةَ.
وعلَّلَ أحمدُ عدمَ الديةِ بعِظَمِ الذَّنْبِ وأنَّ الكفارةَ بعقِ الرقبةِ والدِّيَةِ لا يكونُ لذنبٍ معظَّمٍ؛ دونَ الشِّرْكِ مرتبةً، وفوقَ بقيةِ المُوبِقاتِ.
والقولُ بالديةِ يُوافِقُ النَّظرَ؛ لأنَّ الديةَ حقٌّ لأهلِ القتيل، لا حقٌّ للقتيل، وليستْ جَبْرًا للذنبِ؛ وإنَّما جبرٌ لبعضِ ما فقَدُوهُ بما لا يُضِرُّ بالقاتلِ وعاقلتِه، ولا يَهدُرُ حقَّهم في فقيدِهم، ولا يَلزَمُ مِنَ العفوِ عنِ القِصَاصِ سقوطُ الديةِ تبَعًا.
وهذه الآيةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} :
اختُلِفَ في نَسْخِها وإحكامِها:
والجمهورُ: على إحكامِها؛ وهو قولُ ابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ وأبي هريرةَ وعُبيدِ بنِ عُميرٍ والحسَنِ وقتادةَ.
وقد روى البخاري ومسلم، عنِ ابنِ جُبيرٍ؛ قال:"آيَةٌ اختَلَفَ فِيهَا أَهْلُ الكُوفَة، فَرَحَلْتُ فِيهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}، هِيَ آخِرُ مَا نَزَلَ، وَمَا نَسَخَهَا شَيْءٌ"(1).
وروى سعيدٌ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ قال: "إنَّ الرجلَ إذا عرَفَ الإسلامَ وشرائعَ الإسلام، ثمَّ قتَلَ مؤمِنًا متعمِّدًا، فجزاؤُهُ جهنَّمُ، ولا توبةَ له،
(1) أخرجه البخاري (4590)(6/ 47)، ومسلم (3023)(4/ 2317).