الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّهي عن بيعِ المُلامسةِ وهي مسُّ اليدِ، فهذا غلطٌ؛ لأنَّ للشريعةِ وضعًا واستَعمالًا للمسِّ يفهَمُ مِن السِّباق، لا من اللفظةِ المجرَّدةِ، وقياسُ اللمسِ الواردِ في الشريعةِ بعضهِ على بعضِ لمجردِ الاشتراكِ اللفظي مِن غيرِ الاعتبارِ بالسياقِ، ليس مِن طريقةِ العربِ؛ وإنَّما مِن طريقةِ الأعاجمِ، فلا يُمكنُ أن يَفْهَمَ عربيٌّ فصيحٌ مِن النهيِ عن بيع المُلامَسةِ معنى الجِماعِ ولا ما يُقارِبه؛ بل ولا وُرُودَ للذكورةِ والأنوثةِ فيه؛ فالسياقُ له أثرٌ على الألفاظِ، وقد روى ابنُ جريرٍ وابنُ المنذِر، عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ؛ قال:"ذكَرُوا اللمسَ، فقال ناسٌ مِن المَوَالي: ليس بالجِماعِ، وقال ناسٌ مِن العربِ: اللمسُ الجِماعُ، قال: فأتيت ابنَ عبَّاسٍ، فقلتُ له: إنَّ ناسًا مِن المَوَالي والعربِ اختلَفوا في اللمسِ، فقالَتِ المَوَالي: ليس بالجِماعِ، وقالتِ العربُ: الجماعُ، قال: فمِن أيِّ الفريقَيْنِ كنتَ؟ قلت: كنتُ مِن المَوَالي، قال: غُلِبَ فريقُ الموَالي؛ إنَّ اللمسَ والمسَّ والمباشرةَ: الجِماعُ، ولكن اللهَ يُكَنِّي ما شاء بما شاء"(1).
وفي هذا أنَّ خطَأ بعضِ المُفسِّرين مِن السلفِ ليس مِن جهةِ وقوعِ التأويلِ على صحيحِ اللُّغة، ولكنَّ خَطَأهم بسببِ فهْمِ السياقِ وتنزيلِهِ على أصحِّ مَعاني اللغةِ المقصودِ في التنزيلِ، وهذا ما يَغْلَطُ فيه الأعاجمُ مِن السلفِ، وكذلك بعضُ العربِ الذين لم يَقْرُبُوا مِن وضعِ اللسانِ الذي نزَلَ عليه القرآنُ، فنَأتْ مساكنُهُم وتواضَعُوا على مَعَانٍ تختلفُ عن وضعِ العربِ حالَ نزولِ القرآنِ في مكَّةَ والمدينةِ.
التيمُّمُ وصفتهُ:
قوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} :
(1)"تفسير الطبري"(7/ 63)، و"تفسير ابن المنذر"(2/ 726).
لا يَختلِفون في التيمُّم، ولا في المسحِ للوجهِ واليدَين، ولا في أن المرادَ: المسحُ، لا الدَّلْكُ والفَركُ؛ ولكن يختلِفونَ في العَدَد، والترتيب، ومقدارِ ما يمَسحُلا مِن العضوَين، ونوعِ الصعيدِ المقصودِ في الآيةِ.
وجمهور العلماءِ: على أن المسحَ يكون للوجهِ والكفينِ فقط؛ خلافًا للشافعيِّ في الجديدِ؛ فقد قال بمسحِ اليدَينِ إلى المرفقَين، ولا تصح الأحاديثُ الدالةُ على مسحِ غيرِ الكفين، وعلى هذا ظاهِر القرآن؛ فإن اللهَ قال:{وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: 6]، واليدُ إذا أطلِقَت في القرآنِ فالمرادُ بها الكَفُّ؛ ولهذا أَطلَقَها اللهُ في آيةِ السرِقَةِ:{فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38]، ولَما أرادَ الله سبحانَه تجاوُزَ الكَف في الوضوءِ قال:{وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]؛ ولهذا استدَلَّ أحمد.
وقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} : الصعيدُ: ما على الأرضِ مِن الترابِ:
فمنهم مَن جعَلَهُ في الترابِ الخالصِ الذي له غبار؛ كالشافعي وأحمدَ؛ وذلك لظاهِرِ الآية، ولقولِهِ صلى الله عليه وسلم:(جُعِلَت لَنَا الأَرْضُ كُلهَا مَسْجِدًا، وَجُعلَت تربتهَا لنَا طَهُورًا)؛ رواهُ مسلم عن حُذَيفَةَ (1)؛ فإنه جعَلَ الصلاةَ في الأرض كلها، وخَصَّ التيممَ بالترابِ منها.
ومِن الفُقَهاءِ: مَن جعَلَ التيممَ بكلِّ ما صَعدَ مِن الأرضِ مِن أجزائِها؛ وهو قول أبي حنيفةَ ومالكٍ، وأجاز مالك التيممَ بالحشيش والحِجارةِ والخشبِ والملحِ.
ورُوِيَ عن حماد؛ قال: "كلُّ شيءٍ وضَعتَ عليه يَدَكَ، فهو صعيدٌ، حتى غبارُ يَدِك، فتيمم به"(2).
ثم ذكر الله اسمَينِ مِن أسمائِه: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} ؛ تنبيهًا
(1) أخرجه مسلم (522)(1/ 371).
(2)
"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 962).