الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمودَّةُ والمحبةُ، ومنها: التواضعُ وكسرُ الكِبْرِ مِن النفوسِ، فيُسَلِّمُ الكبيرُ والغنيُّ والسُّلْطانُ الداخلُ على مَن دونَهم في حالِ استحقاقِهِ للسلامِ عليه، وفي الآيةِ بعدَها إشارةٌ إلى استواءِ الخَلْقِ عندَ اللهِ في الجَمْعِ الأكبرِ؛ فيجبُ أنْ يكُونوا في الحقوقِ كذلك، فقال بعدَ بيانِ حُكْمِ السلامِ:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [النساء: 87].
تنكيرُ السلامِ وتعريفُهُ:
وبَذْلُ السلامِ يصحُّ بالتنكيرِ: (سلامٌ عليكم)، وبالتعريفِ:(السلامُ عليكم)، وأمَّا ردُّه، فلا يكون إلا بالتعريفِ:"وعليكم (السلامُ) ورحمةُ اللهِ وبركاتُه"، وكلُّ ذلك - التنكيرَ والتعريفَ - جاء في الوحي، واختُلِفَ في التفضيلِ بينَ تعريفِ السلامِ وتنكيرِه:
وظاهرُ مذهبِ الشافعيِّ وروايةٌ عن أحمدَ التعريفُ.
ورُوِيَ عن أحمدَ: التخييرُ.
وفَرَّقَ بعضُ العلماءِ بينَ السلامِ على الحيّ، والسلام على الميِّتِ؛ فيُعرَّفُ السلامُ ويُنكَّرُ على الحيِّ، وأمَّا على الميِّت، فيُنكَّرُ؛ وهو قولٌ لأحمدَ.
وأكثَرُ الأحاديثِ في السُّنَّةِ على تعريفِ السلامِ للحيِّ، وجاء في بعضِها تنكيرُه، والتعريفُ أشهَرُ وأكثَرُ في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وكذلك أصحابُهُ، وكلُّ ذلك واردٌ في القرآن، ومنه قولُهُ تعالى في تسليمِ عيسى على نفسِهِ:{وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 33]، وقولُه تعالى في تسليمِهِ على يحيى:{وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 15].
ويُستحَبُّ السلامُ عندَ المُفارَقةِ، وفي الحديثِ: (إِذَا انْتَهَى أحَدُكُمْ إِلَى المَجْلِس، فَلْيُسَلِّمْ، فَإِذَا أرَادَ أنْ يَقُومَ، فَلْيُسَلِّمْ؛ فَلَيْسَتِ الْأُولَى بِأَحَقَّ
مِنَ الْآخِرَةِ)؛ أخرَجَهُ أحمدُ وأهلُ السُّنَنِ (1).
* * *
قال تعالى: {فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا} [النساء: 88].
وَرَدَ في نزولِ هذه الآيةِ أخبارٌ متبايِنةٌ، وأصَحُّها ما جاء في "المْسنَدِ"، و"الصحيحَينِ"؛ مِن حديثِ زيدِ بنِ ثابتٍ؛ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم خرَجَ إلى أُحُدٍ، فرَجَعَ ناسٌ خرَجُوا معه، فكان أصحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فيهم فِرقتَيْنِ: فِرْقةٌ تقولُ: نَقْتُلُهُمْ، وفِرْقةٌ تقولُ: لا؛ هم المؤمِنون، فأنزَلَ اللهُ:{فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(إنَّهَا طَيْبَةُ، وَإِنَّهَا تَنْفِي الْخَبَثَ، كمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْفِضَّةِ)(2).
وصحَّ عن مُجاهِدٍ: "أنَّهم قومٌ خرَجُوا مِن مكةَ حتى جاؤوا المدينةَ يَزْعُمُونَ أنَّهم مُهاجِرونَ، ثمَّ ارتَدُّوا بعدَ ذلك، فاستأذَنُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى مكةَ ليَأْتُوا ببضائعَ يَتَّجِرونَ فيها، فاختَلَفَ فيهم المؤمِنونَ؛ فقائِلٌ يقولُ: منافِقون، وقائلٌ يقولُ: هم مؤمِنون، فبيَّنَ اللهُ نِفاقَهم، فأمَرَ بقَتْلِهم، فجاؤوا ببضائِعَ يُرِيدُونَ هِلَالَ بنَ عُوَيْمِرِ الأَسْلَمِيَّ، وبينَه وبينَ محمدٍ حلفٌ، فدفَعَ عنهم بأنَّهم يَؤُمُّونَ هلالًا وبينَه وبينَ محمدٍ عهدٌ"(3).
(1) أخرجه أحمد (7142)(2/ 230)، وأبو داود (5208)(4/ 353)، والترمذي (2706)(5/ 62)، والنسائي في "السنن الكبرى"(10129)(9/ 144).
(2)
أخرجه أحمد (21599)(5/ 184)، والبخاري (1884)(3/ 22)، ومسلم (2776)(3/ 2142).
(3)
"تفسير الطبري"(7/ 282)، و"تفسير ابن المنذر"(2/ 820)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 1024).