الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومَن استدَلَّ بالجوازِ أخَذَه مِن قولِه: (إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ) على مَعْنَيَيْهِ: إمَّا أنَّكِ لا تَملِكِينَ حيضَكِ؛ فهو مِن للهِ فلا يَمْنَعُكِ شيئًا، وإمَّا أنَّ الحيضَ في الفَرْجِ لا في اليدِ، قالوا: وَيظهَرُ مِن كِلا المعنيَيْنِ الإذنُ في الدخولِ، ولم يُقيَّدْ بزمنٍ، ولا حالِ ما أُمِنَ تنجيسُ المكانِ.
وقد روى أبو حفصٍ وابنُ بَطَّةَ؛ مِن حديثِ عبدِ الرزَّاقِ؛ حدَّثَنا الثوريُّ، عنِ المِقْدَامِ بنِ شُرَيْحٍ، عن أبيهِ، عن عائشةَ رضي الله عنها؛ قالتْ:"كُنَّ المُعْتَكِفَاتُ إذَا حِضْنَ، أَمَرَ رَسُولُ اللهِ بِإِخْرَاجِهِنَّ مِنَ المَسْجِدِ، وَأَنْ يَضْرِبْنَ الأَخْبِبَةَ فِي رَحْبَةِ المَسْجِدِ، حَتَّى يَطْهُرْنَ"(1).
وهذا الخبرُ لا أعلَمُهُ إلا في كتُبِ الأصحابِ من الحنابلةِ، وجوَّدَ إسنادَهُ ابنُ مُفْلِحٍ، ولا أعلَمُهُ يُروى إلا مِن حديثِ عبدِ الرزَّاقِ تفرَّدَ به عن الثوريِّ.
وقد حُمِلَ هذا على حفظِ المسجدِ مِن التنجيسِ؛ لانعدامِ ما يَتوقَّى به نساءُ ذلك الزمنِ، ولأنَّ الحيضَ يطولُ فيصعُبُ الاحترازُ مِن تنجيسِ المسجدِ به.
وأمَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم النساءَ الحُيَّضَ أنْ يَعْتَزِلْنَ مُصلَّى العيدِ؛ فذلك حتى لا يقطَعْنَ صفوفَ صلاةِ النساء، ولم يكونوا يُصَلُّونَ في مسجدٍ؛ وإنَّما كانت صلاتُهم في فَلاةٍ.
وأما عَرَقُ الجُنُبِ والحائضِ، فلا خلافَ في طهارتِهِ، ويأتي مزيدُ ببانٍ في المسألةِ في سورةِ النساءِ، في قولِهِ تعالى:{لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآيةَ [43].
زمنُ تسميةِ المولودِ:
وفي قولِهِ: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} : تسميةُ لمولودِ عندَ ولادتِهِ فيما
(1) أورده ابن قدامة في "المغني"(3/ 206)، وابن مفلح في "الفروع"(5/ 167).
يَظهَرُ؛ وذلك أنَّها سمَّتْهُ عندَما عرَفتْ جنسَهُ ذَكَرًا أم أنثى، وقرينةُ تأكيدِ ذلك قولُها:{وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ، فسمَّتْها وعوَّذَتْها، والتعويذُ يكونُ في أولِ الولادةِ غالبًا.
وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُسمِّي المولودَ عدَ تحنيكِهِ؛ كما ثبَتَ في "الصحيحِ"، عن أنسٍ وغيرِهِ، وقد سمَّى ولدَهُ إبراهيمَ يومَ ولادتِه؛ كما في "صحيحِ مسلمٍ"؛ قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أبي إِبْرَهِيمَ)(1).
والتسميةُ قبلَ الولادةِ لا بأسَ بها، عندَ معرفةِ جنسِ المولودِ، أو يُسمِّيهِ إنْ كان ذَكَرًا ففلانٌ، وإن كانت أنثى ففلانةُ، وقد بَشَّرَ اللهُ مريمَ بعيسى، وسمَّاهُ لها قبلَ ولادتِهِ؛ قال تعالى:{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 45].
وفي بشارةِ اللهِ لزكريَّا بولدِه وتسميتِه له يَحْيَى قبلَ حَمْلِ أمِّه به: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى} [آل عمران: 39].
وقد بشَّرَ اللهُ إبراهيمَ وزَوْجَهُ بابنِهما، وسمَّاهُ إسحاقَ، وبابنِ الابنِ قبلَ ولادةِ الابنِ، وسمَّاهُ يعقوبَ؛ قال اللهُ:{فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} [هود: 71].
وقد جاء في "المسنَدِ"؛ مِن حديثِ سعيدِ بنِ أبي عَرُوبَةَ، وأَبَانَ العَطَّارِ؛ كلاهُما عن قتادةَ، عن الحسنِ، عن سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ، عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قال:(كلُّ غُلَامٍ رَهِينٌ بِعَقِيقَتِهِ، تذبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، ويُسَمَّى)(2).
ورواهُ همامٌ، عن قتادةَ، به، لكنْ قال:"وَيُدَمَّى"، بدلًا مِن
(1) أخرجه مسلم (2315)(4/ 1807).
(2)
أخرجه أحمد (20139)(5/ 7).