الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأولُ: يسقُطُ؛ وهو قولُ الشافعيِّ.
الثاني: لا يسقُطُ حتى يدخُلَ بها؛ وهو قولُ مالكٍ؛ لأنَّ العلةَ مِن السقوطِ انشغالُها بزوجِها، وتضرُّرُ الولدِ مِن البقاءِ في كَنَفِ وكفالةِ غيرِ ذي قرابةٍ.
وإذا طلَّقَها زوجُها الثاني أو مات عنها، فلها الحقُّ في إرجاعِ ولدِها ما دام في مدةِ الحضانةِ، على اختلافِهم فيه؛ لأنَّ الحقَّ يعودُ بزوالِ مانِعِه، كما يتحقَّقُ بوجودِ سببِه، كما لو أنَّها أسقَطَتْ حقَّها في الحضانةِ عامًا، ثمَّ رجَعَتْ تُريدُه، فلها ذلك، أو خرَجَتْ من البلدِ الذي فيه زوجُها الأول وسلَّمَتهُ لأبيه، ثمَّ رجَعَتْ إلى بلدِه، فلها حضانتُه.
حضانةُ غير المسلِمَةِ:
والولدُ يكونُ في حضانةِ أمِّه ما دامتْ مسلِمةً، على الصحيحِ، وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، خلافًا لأبي حنيفةَ؛ فلم يُفرِّقْ بينَ المسلمةِ وغيرِها في الحضانةِ، والحقُّ: أنَّ الدِّينَ مُعتبَرٌ حتى لا تنحرِفَ الفِطْرةُ ويتديَّنَ الولدُ بغيرِ دينِ الإسلامِ؛ كما في "الصحيحَيْنِ" وغيرِهما؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ، قال صلى الله عليه وسلم:(مَا مِن مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، وَيُنَصِّرَانِهِ، كَمَا تُنْتِجُونَ البَهِيمَةَ، هَلْ تَجِدُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ، حَتَّى تَكُونُوا أَنْتُمْ تَجْدَعُونَهَا! )(1).
الأحقُّ بالحضانةِ بعد الأمِّ من النساء:
واختلَفَ العلماءُ في الأحقِّ بالكفالةِ بعدَ الأمِّ مِن النساءِ:
فذهَبَ عامةُ العلماءِ: إلى أنَّ أمَّ الأمِّ جدةَ الولدِ لأمَّه أحقُّ بالحضانةِ مِن أمِّ أبيه ومِن خالتِه؛ وهذا قولُ أبي خبفة ومالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ وأبي ثورٍ وغيرِهم.
(1) أخرجه البخاري (6599)(8/ 123)، ومسلم (2658)(4/ 2047).
واختلَفُوا فيمَن أحقُّ بالحضانةِ بعدَ أمِّ الأمِّ:
فقدَّمَ الحنفيَّةُ أمَّ الأبِ ثمَّ الأخواتِ على الخالةِ.
وقدَّمَ مالكٌ: الخالةَ على أمِّ الأبِ والأخواتِ.
وقدَّمَ الشافعيَّةُ: أمَّ الأبِ فالأخواتِ فالخالاتِ.
وقدَّمَ الحنابلةُ: الأبَ بعدَ أمِّ الأمِّ، ثمَّ أمَّهاتِ الأبِ، ثمَّ الجَدَّ، ثمَّ أمَّهاتِ الجدِّ، ثمَّ الأختَ، ثمَّ الخالةَ.
وهذا كلُّه لا دليلَ خاصٌّ يقطعُ به مِن الوحي إلا الخالةَ؛ ففي الحديثِ كما تقدَّمَ؛ قال صلى الله عليه وسلم: (الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ)، وما عداها أُخِذَ مِن النظرِ والقياسِ على القُرْبِ مِن الرحمِ والأحقِّ بالميراثِ.
ولا حضانةَ لمَن عُرِفَتْ بفِسْقٍ يُؤثِّرُ على الصغيرِ؛ كشُرْبِ الخمرِ أو تَعَرٍّ وسفورٍ في حضانةِ الصغيرةِ فتتربَّى عليه، أو تعليمِهِ مجونَ الرقصِ والطَّرَبِ والدِّيَاثةِ وشِبْهَ ذلك، فهذا يُسقِطُ حقَّ الأمِّ في الحضانةِ، فضلًا عمَّا دونها مِن القراباتِ نساءً ورجالًا.
وكلُّ ما تسقُطُ به ولايةُ الرجلِ على المرأةِ مِن الفسقِ: تسقُطُ له حضانةُ المرأةِ على الصغيرِ مِن بابِ أَولى؛ لأنَّ ولايةَ الرجلِ وقِوامتَهُ أقوَى وأَوْثَقُ؛ فما سقَطَ منها يسقُطُ فيما دونَها مِن بابِ أولى.
* * *
قال تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)} [آل عمران: 41].
جعَلَ الله علامةً لزكريَّا وآيةً في قومِهِ: ألَّا يُكلِّمَهُمْ مُدَّةَ ثلاثةِ أيامٍ مِن غيرِ مرضٍ كخَرَسٍ أو شِبْهِهِ، فهو يذكُرُ الله صباحًا ومساءً، ولكنَّه مع
الناسِ لا يَقدِرُ على الحديثِ؛ وإما يكتفِي قال بالإشارةِ والإيماءِ، ومعنى الرمز في قوله تعالى:{إِلَّا رَمْزًا} :
قال ابنُ عباسِ: يعني: الإشارةَ والإيماءَ؛ وبقولِه قال قتادةُ والضحَّاكُ والسُّدِّيُّ (1).
وقال مجاهدٌ: {إِلَّا رَمْزًا} يعني: الإيماءَ بالشفتَيْن (2).
وقد جعَلَ اللهُ عدمَ قدرةِ زكريَّا على الكلامِ مدةَ ثلاثةِ أيامٍ، وهو أمرٌ لا اختيارَ له فيه - آيةً مِن اللهِ له مع قومِه، مع قدرتِه على الكلام للهِ تسبيحًا وتهليلًا وذكْرًا للهِ فحَسْبُ، وفي ذلك إشارةٌ إلى أنَّ اللهَ لم يشَأْ أنْ يجعَلَ زكريَّا هاجِرًا لقومِه فوقَ ثلاثةِ أيامٍ، ولو كان بغيرِ اختيارِه وإرادتِه، وباختيارِه مِن بابِ أولى ألَّا يَصحَّ الهجرُ منه لهم؛ لأنَّ اللهَ خلَقَ الناسَ وحثَّهم على الخِلْطةِ والاجتماعِ، ومنعَهم من الافتراقِ والهَجْرِ، والنبيُّ مِن بابِ أولى؛ لأنَّه يُصلِحُ ويُقتدَى به، ويأمُرُ ويَنْهَى.
ولأنَّ طولَ الصمتِ يُخالِفُ أصلَ الفِطرةِ، والهجرُ لنعمةِ الكلامِ كالهجرِ لنعمةِ البصرِ والسمعِ والتفكُّرِ، ولد نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن طولِ الصمتِ كما في "سننِ أبي داودَ"؛ قال:(لا صُمَاتَ يَوْم إِلَى اللَّيْلِ)(3).
وقيل بأنَّ صَمْتَ زكريَّا كان باختيارِه، وأنَّ اللهَ أذِنَ له في ذلك، ونسَخَ اللهُ الصمتَ لي شرْعَةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.
وفي كونِه اختيارًا نظرٌ؛ فاللهُ جعَلَ عدَمَ كلامِه آية، وعدمُ الكلامِ كلُّ يقدِرُ عليه باختيارِه، والمفسِّرونَ مِن السلفِ على أنَّ ذلك بلا اختيارٍ مِن زكريَّا.
وربَّما كان الناسُ لا يعلَمونَ سببَ صَمْتِه، والصمتُ يتضمَّنُ هجْرَهُ
(1)"تفسير الطبري"(5/ 389 - 390).
(2)
"تفسير الطبري"(5/ 388).
(3)
أخرجه أبو داود (2873)(3/ 115).