الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال بعضُ أهلِ الرأي: بصحَّةِ الخُلْعِ مع الإثمِ؛ وهذا قولٌ يُخالِفُ ما عليه السلفُ وظواهرَ الأدلَّةِ؛ كهذه الآية، وحديثِ امرأةِ ثابتٍ.
ونُقِلَ عن مالكٍ جوازُهُ إذا رَضِيَتْ ولو كان النشوزُ مِن قِبَلِ الزوجِ، ويَحِلُّ له ما أخَذَهُ مِن مالِها.
وأمَّا لو رضِيَتِ المرأةُ، وأعطَتْ زوجَها المالَ بلا شرطٍ منه، وهو يُرِيدُ طلاقَها بلا مقابلٍ، ولم يظهَرْ منه ما يُضِرُّ بها ويُلْجِئُها إلى مُخالعتِه، فأرادَت أنْ تكونَ حَسَنَةَ العهدِ، ولها اليدُ عليه، صحَّ وجازَ؛ لأنَّ اللهَ نَهَى عن الإضرار، وهذا ليس بإضرارٍ.
أخذُ مهرِ مَنْ فعَلَتِ الفاحشةَ:
وأباحَ اللهُ أخْذَ المهرِ منهنَّ إذا أَتَيْنَ بفاحشةٍ، والفاحشةُ هنا: كلُّ ما فَحُشَ مِن القولِ؛ مِن البذاءةِ واللعنِ والقذفِ والسَّبِّ والتعيِيرِ؛ وبهذا قال عامَّةُ السلفِ مِن المفسِّرينَ؛ فالفاحشةُ في هذا الموضِعِ غيرُ الفاحشةِ في الآياتِ السابقةِ؛ فهي هناك يُرادُ بها الزِّنى، وهذه قرينةٌ على أنَّ الآيةَ مُحكَمةٌ لا منسوخةٌ؛ كما يقولُه عطاءٌ والشافعيُّ؛ فعامَّةُ المفسِّرينَ مِن السلفِ على أنَّ الفاحشةَ في هذه الآيةِ: بذاءةُ اللسان، وقد قال ذلك ابنُ عبَّاسٍ وابن مسعودٍ والضحَّاكُ وقتادةُ.
وخالَفَ أبو قِلَابَةَ، فقال: إنَّ الفاحشةَ في هذا الموضِعِ هي الزِّنى، ورُوِيَ نحوُه عن ابنِ سِيرِينَ.
وهذا القولُ فيه نظرٌ؛ فالزِّنى أعْلى الفاحشة، ولكنَّ الفاحشةَ هي الزيادةُ؛ أيْ: كلُّ ما خرَجَ عن المباحِ مِن الأقوالِ والأفعال، وعندَ العربِ الفواحشُ: القبائحُ، ففي "الصحيح"؛ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لعائشةَ:(عَلَيْكِ بِالرِّفْق، وَإِيَّاكِ وَالعُنْفَ وَالفُحْشَ)(1)، وفي "الصحيحينِ"؛ مِن حديثِ
(1) أخرجه البخاري (6030)(8/ 12).
عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتفَحِّشًا"(1)، وفي "السُّنَنِ":(إِنَّ اللهَ لَيُبغِضُ الفَاحِشَ البَذِيءَ)(2).
ومَن وجَدَ مِن امرأتِهِ فُحْشًا وبذاءةً في القول، جازَ له أنْ يُضَارَّها؛ حتى تَختلِعَ وتَفتدِيَ نفسَها بمالِها، وأمَّا الزِّنى، فجعَلَ اللهُ للزوجِ اللِّعانَ إنْ شاء، أو الطلاقَ بلا لِعانٍ لو أراد، خلافًا لأبي قلابةَ في قولِه:"إنَّ للزوجِ الإضرارَ مع فاحشةِ الزِّنى لِتفتديَ نفسَها".
وقولُه: تعالى: {إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} قيَّدَ الفاحشةَ بالبيِّنةِ؛ إشارةً إلى حُرْمةِ الأخذِ بالشكِّ والرِّيبة وسُوءِ الظنِّ؛ فإنَّ ذلك مِن المحرَّمات، ولا يجوزُ أخذُ المالِ إلا ببيِّنةٍ؛ لأنَّ مهرَها حقٌّ لها؛ فلا يجوزُ أخذُه بغيرِ حقٍّ وبيِّنةٍ.
* * *
الأصلُ في الطلاقِ: المشروعيَّة بالاتِّفاق، وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى أنَّ الأصلَ فيه الإباحةُ، وقد يخرُجُ عنها بحسَبِ عوارضِهِ وأحوالِهِ وآثارِه؛ وهذا على قولِ أكثَرِ العلماء، خلافًا لأبي حنيفةَ، فهو يرَى أنَّ الأصلَ فيه الحظرُ مع استقامةِ الحال، وقد يُباحُ ويُكرَهُ بل ويجبُ؛ وهذا القولُ الثاني روايةٌ عن أحمدَ.
(1) أخرجه البخاري (3559)(4/ 189)، ومسلم (2311)(4/ 1810).
(2)
أخرجه الترمذي (2002)(4/ 362).