الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أَقَرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليَّ بنَ أبي طالبٍ على أَخْذِهِ بالقُرْعةِ في إلحاقِ النَّسَبِ لولدٍ بأبٍ له في ثلاثةٍ وقَعُوا على امرأةٍ في طُهْرٍ واحدٍ؛ كلُّهم يَدَّعِي الولدَ له، فأقرَعَ بينَهم ودفَعَ الولدَ لِمَنْ خرَجَتْ قُرْعتُهُ وألزَمَهُ بثُلُثِ الدِّيَةِ، فبلَغَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ذلك، فضحِكَ حتى بدَتْ نواجذُه.
أخرَجَهُ أحمدُ وأبو داودَ وغيرهما (1).
وعَمِلَ بالقُرْعةِ عثمانُ وعبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ.
وأقرَعَ سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ عندَما أُصِيبَ المؤذِّنُ في القَادِسِيَّةِ، فاختَصَمَ الناسُ على الأذانِ؛ رواهُ الطبريُّ، عن شقيقٍ، عنه (2).
وأقرَعَتْ صَفِيَّةُ بنتُ عبدِ المُطَّلِبِ بينَ شقيقِها حمزةَ وبينَ أنصاريٍّ على ثوبينِ: أيُّهما أحقُّ بالثوبِ الكبيرِ، فيُكفَّنَ به؛ وكان ذلك لمَّا قُتِلَا ومُثِّلَ بهما في غزوةِ أُحُدٍ، وكانت صفيَّةُ أُختُ حمزةَ عمَّةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
أخرَجَهُ أحمدُ مِن حديثِ ابنِ أبي الزِّنَادِ، عن هشامِ بنِ عُرْوةَ، عن أَبيهِ (3).
وصفيَّةُ عمَّةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وبنتُ خالتِه؛ لأنَّ أمَّها أختً أمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهي هالةُ بنتُ وهبٍ، أختُ آمِنَةَ بنتِ وهبٍ أمِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
الفرقُ بن القُرْعةِ والأزلامِ:
ولا أعلمُ مَن منَعَ منها مِن السلفِ السابقِ، وقياسُها على الأزلامِ قياسٌ فاسدٌ مع تضافُرِ النصوصِ وتواتُرِها؛ فالاسْتِقْسَامُ بالأَزْلامِ في الجاهليَّةِ كذبٌ على اللهِ، وافتراءٌ عليه، ويفعَلُونَه عندَ أصنامِهم وأوثانِهم؛ فكان الجاهليُّونَ إذا أرادَ أحدُهم سفرًا، أو عزَمَ على فعلٍ مهمٍّ، أجَالَ
(1) أخرجه أحمد (19329)(4/ 373)، وأبو داود (2270)(2/ 281) ، والنسائي (3488)(6/ 182)، وابن ماجه (2348)(2/ 786).
(2)
"تاريخ الطبري"(3/ 566).
(3)
أخرجه أحمد (1418)(1/ 165).
القِدَاحَ، وهي الأَزْلامُ، وهي على ثلاثةِ أَضْرُبٍ؛ منها ما كُتِبَ عليه: أمَرَني ربِّي، ومنها ما كُتِبَ عليه: نَهَاني ربِّي، ومنها غُفْلٌ لا كتابةَ عليه، يُسمَّى: المَنِيحَ، فإذا خرَجَ: أمَرَني ربِّي، مَضَى في الحاجةِ، وإذا خرَجَ: نَهَاني ربِّي، قعَدَ عنها، وإذا خرَجَ: الغُفْلُ، أجَالَها ثانيةً.
واللهُ لا يأمُرُهم بهذا، وهذا فعلُ فردٍ لا يُشاحُّهُ عليه أحدٌ ولا يُنازِعُهُ فيه منازعٌ، ويفعَلُونَ هذا الفعلَ تيمُّنًا وتعظيمًا، والقُرْعةُ تُفعَلُ عندَ المُشاحَّةِ والنِّزاعِ عندَ استواءِ الحقوقِ وتشابُهِها، بلا تعظيمٍ، ولا ينسُبُونَ ذلك إلى اللهِ، ولا يَقصِدُونَهُ في مكانٍ مُعظَّمٍ كالمسجدِ الحرامِ أو غيرِه.
والقولُ بأنَّ القُرْعةَ قِمارٌ واستقسامٌ بالأزلام أو تَطَيُّرٌ: جهلٌ بالقِمارِ والتطيُّرِ والاستقسامِ بالأزلامِ والقرعةِ، فالتطيُّرُ يفعلُه الإنسانُ لنفسِهِ ولغيرِه، والقرعةُ للفصلِ في الحقوقِ بينَ المتنازِعينِ، وليس ليَفْعَلَ الإنسانُ في نفسِهِ أو لا يفعَلَ، فمَن أرادَ سفرًا أو زواجًا فوضَعَ الأقداحَ أو الأقلامَ لِتُمضِيَهُ إلى فعلٍ أو ترُدَّهُ عنه، فهذا باطلٌ، والقُرْعةُ ليستْ لعملِ الإنسانِ في نفسِهِ؛ بل للفصلِ في حقِّ المُتخاصِمين، وهذا يَظْهَر في قوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} ، يعني: مع زكريَّا في كفالةِ مريمَ.
وكان أحمدُ يشدِّدُ على مَن يُنكِرُها، وقد سُئِلَ عن القرعةِ، ومَن قال: إنَّها قمارٌ؟ قال: إنْ كان ممَّن سَمِعَ الحديثَ، فإذا كلامُ رجلِ سُوءٍ؛ يزعُمُ أنَّ حُكمَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قمارٌ.
وقال مرةً: هذا قولٌ رديءٌ خبيثٌ.
وقال: مَن ادَّعى أنَّها منسوخةٌ، فقد كَذَبَ وقال الزُّورَ.
وقال: القُرْعةُ حُكمُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وقضاؤُه؛ فمَن رَدَّ القرعةَ، فقد ردَّ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قضاءَه وفِعلَه.
* * *
جعَلَ اللهُ لعيسى مِن الإعجازِ ما خَصَّه له، ممَّا لم يُشارِكْهُ غيرُه، والمعجزاتُ منها ما يتشارَكُ فيها الأنبياءُ، كبَيانِ الوحي المُنزَّلِ بالحُجَجِ الباهرةِ، والبيِّناتِ القويَّةِ، ومنها ما هو مِن خصائصِ نبيٍّ بعَينِه، كتسخيرِ الجنِّ والريحِ وتعليمِ مَنْطِقِ الطَّيْرِ والنملِ لسُلَيْمَانَ، والعصا واليدِ البيضاءِ لموسى، وإحياءِ المَوْتَى لعيسى، وشَقِّ القمرِ لمحمدٍ.
ومِن معجزاتِ عيسى صنعُ الطيرِ مِن الطينِ بيدِه، ثمَّ النفخُ فيه ليكونَ طيرًا بإذنِ اللهِ، وكذلك شفاؤُه المَرْضَى كالأكْمَهِ والأَبْرَصِ، وخَصَّه اللهُ بإحياءِ الموتَى، والإنباءِ بما في بيوتِهم مِن مدَّخَراتٍ.
واللهُ يجعلُ لكلِّ نبيٍّ مِن المعجزاتِ ما يُناسِبُ تعلُّقَ أهلِ زمانِهم به؛ ففي زمنِ موسى وعيسى كانت بنو إسرائيلَ يتعلَّقونَ بالسَّحَرَةِ لمعرفةِ المغيَّباتِ، وفِعلِ الخوارقِ والمعجزاتِ، وقلبِ الماديَّاتِ المُشاهَداتِ، فكانت آياتُ موسى وعيسى مِن جِنسِ هذا.
وزاد قومُ عيسى تعلُّقًا بأهلِ الطبِّ والعلاجِ، ومعرفةِ أسبابِ الشفاءِ؛ ممَّا لم يكنْ في أسلافِهم.
وقولُه تعالى: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ} : فيه جوازُ إطلاقِ اسم الخَلْقِ على فِعْلِ العِبادِ، ومِن ذلك قولُه تعالى:{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14]، وفي حديثِ ابنِ عمرَ في "الصحيحينِ"؛ قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الذينَ