الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدلُ بين الزوجاتِ:
ولا خلافَ في وجوب العدلِ بينَ النساءِ في القَسْمِ والعطيَّةِ وأصلِ النَّفَقَةِ؛ فيُبَاتُ عندَ المرأَةِ كما عندَ الأخرى، وعِمادُ القَسْمِ اللَّيلُ، ويتساوَيانِ في العطيَّة، ولكنَّ النَّفَقةَ تكون بالعدلِ لا بالتساوي، وكذلك في القَسْمِ يجب العدلُ وإد لم يتحقَّقِ التساوي.
والعدلُ في النفقةِ: أن يُعطِيَ كلَّ زوجةٍ حاجتَها مِن طعامٍ وشْرابٍ بحسَبِ حالِها وحاجَتِها وذُرِّيَّتِها، وقد لا يتساوَيانِ؛ لاختلافِ الدَّارِ والحالِ والحاجة، والواجبُ الكفايةُ في ذلك.
ويَجِبُ في العطيَّةِ الزائدةِ على النَّفَقةِ: التساوي، سواءٌ كانت مالًا أو متاعًا أو عَقَارًا.
العدلُ بين الزوجاتِ بالمبيتِ والقَسمِ:
والعدلُ في القَسمِ يكونُ بالمَبيتِ بعدَدِ اللَّيَالِي ولو لم يتساوَيا في وُقُوعِ الجِمَاعِ لأيِّ سَببٍ نفسيٍّ؛ كالعَجْزِ بمرَضٍ ونحوِه، أو ميلِ النَّفْس، أو سببٍ شرعيٍّ؛ كالهَجْرِ بشَرطِ ألَّا يتَحقَّقَ له مَفسدةٌ لها.
وقوله: {فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} ؛ يَعني: لا ذاتَ زَوْجٍ تأخُذُ حقَّها منه، ولا مطلَّقة تَستقبِلُ شأنَها، وتنتَظِرُ زَوْجًا غيرَه.
وقدِ اختلَفَ العلماءُ في المَبيت والقَسْمِ به؛ هل يجبُ لكلِّ واحدةٍ ليلةٌ تَلي ليلةَ الأخرى، أم يجوزُ أن يَزيدَ في اللَّيالي عندَ كلِّ واحدةٍ، وَيزِيدَ مثلًا عندَ الأخرى؛ كلَيلتَيْن ليلتَيْن، وثلاثِ ثلاثٍ؟ على قولَينِ مشهورَين:
الأوَّلُ: الجوازُ؛ وهو قولُ الشافعيِّ.
الثاني: عدَمُه؛ وهو قولُ مالكٍ.
والأظهَرُ: عدَمُ جوازِه إلَّا في حالَيْنِ:
الأولى: عندَ البِناءِ بزَوْجة، فإنْ كانَت ثَيِّبًا، مكَثَ عندَها ثلاثًا في أوَّلِ البِنَاء، وإن كانَتْ بكرًا، مكَثَ عندَها سبعًا في أوَّلِ البناء، ثمَّ يعودُ لنَسَائِه، والجمهورُ: أنَّه يعود لهن بلا حِسابٍ، كما فعَلَ معَ الزَّوْجةِ الجديدة؛ خلافًا لأبي حنيفةَ في أنَّه يعودُ إليهنَّ بحسابٍ؛ مستدلًّا بعمومِ العدلِ بينَ الزَّوْجاتِ في القَسْمِ.
واستدَلَّ مَن قال بقولِه بحديثِ أمِّ سلَمةَ؛ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لها: (إِن شِئْتِ سَبَّعْتُ لَك، وَإنْ سَبَّعتُ لَك، سَبَّعْتُ لِنِسَائِي)؛ رواهُ مسلمٌ (1).
وأبو حنيفةَ وأصحابة لا يَرَوْنَ الفرقَ بينَ البكرِ والثيِّب في الإقامةِ عندَهما، ومحمدُ بن الحسَنِ يَستدِلُّ بحديثِ أمِّ سلَمةَ هذا، ولا دليلَ فيه؛ فهو فيه أن لها الثلاثَ، والتسبيعُ زائدٌ، لأنَّها ثيِّبٌ، فيَجِبُ تَبَعًا معه العدلُ، وهو قضاء السَّبْعِ كلِّها، لا قضاءُ الأربعِ الزَّائدةِ على الثلاثِ؛ لأنَّ تتابُع السبعِ مؤثِّرٌ، بخلافِ تتابعِ الثَّلاثِ؛ فهوَ أخفُّ.
وما رواهُ الدَّارَقطنيُّ في هذا الحديتِ: "إِنْ شِئْتِ أَقَمْتُ مَعَكِ ثَلَاثًا خَالِصَةً لَك، وَإِن شِئْتِ سَبَّعتُ لَكِ ثُمَّ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي)، قالت: تُقِيمُ مَعِي ثلَاثًا خَالِصَةً (2)؛ لا يصِحُّ، وفيه الواقديُّ، وهو منكَرُ الحديثِ.
وحديث أم سلَمةَ في مسلِمٍ مخصِّصٌ للأحاديثِ العامَّةِ التي يَستدِل بها أبو حنيفةَ وأصحابهُ في وجوبِ العدل، ولا فرقَ بينَ الجديدةِ والقديمةِ مِنَ الزوْجاتِ.
(1) أخرجه مسلم (1460)(2/ 1083).
(2)
أخرجه الدارقطني في "سننه"(3733)(4/ 431).
وحديثُ أمِّ سلَمةَ يأخذُ به جمهورُ العُلَماءِ؛ كمالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ، وأنَّ القَسْمَ للثَّيِّبِ ثلاثٌ لا يكونُ معها قضاءٌ، أو سبعٌ يكونُ معها القضاء، وأن القَسْمَ للبِكرِ سبعٌ لا يكون معها القضاءُ! كما هو في الثلاث: للثَّيِّبِ؛ كما في روايةٍ لمسلمٍ: (لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَك، وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ، ثُمَّ دُرْتُ)، قالت: ثَلِّثْ (1)، وظاهرهُ: أنَّ التسبيعَ يَلزَمُ معه الفضاءُ، والثلاثَ ينتهي ويدورُ بلا قضاءٍ؛ ولذا لم يذكُرِ الدَّوْرَ في السَّبْعِ؛ وإنَّما ذكَرَ القضاءَ؛ لأنَّه قدرٌ زائدٌ على الدَّوْرِ.
وفي حديثِ أمِّ سَلَمةَ: جوازُ القَسْمِ للثيِّبِ المدخولِ بها حديثًا سبعًا، زيادةً على أصلِ حقِّها في الثَّلاثِ، وأن ذِكرَ السَّبْعِ دليلٌ على أنَّه أقصى ما يجوز في القَسْمِ للمبنيِّ بها، وهي البِكْرُ، ولكنَّه حقٌّ للبِكْر، لا يُزادُ لها عليه، ولا يُزاد لِغيرِها عليه مِن بابِ أولى، وهي الثَّيِّبُ، لو أرادَتْ، فهو للبِكرِ حقٌّ، وللثيِّبِ تخييرٌ فحَسْبُ.
الثانيةُ: عندَ تَصالُحِهنَّ وتَراضِيهِنَّ على ذلك؛ وذلك أنَّه لو جازَ للمرأةِ أن تُسقِطَ ليلتَها وتجعلَها كلَّها للأُخرى، فإنَّه يجوزُ عندَ التصالُحِ على ما دونَهُ من بابِ أولى.
واللهُ أمَرَ بالعدل، ومِنَ العدلِ الإتيانُ بمقصدِ المبيت، وحاجتُهُنَّ للمبيتِ ليست في أمرِ الجِماعِ؛ وإنَّما هو في الإيناسِ والأمنِ مِن الطَّوارق، وقُرْبِ النَّفْسِ والمودَّة، وهذا يَفُوتُ عندَ جميعِهِنَّ لو دامَ تركُ الزَّوْجةِ لأيَّامٍ مَدَى أعوامٍ، ثُمَّ لو قيل بجَوَازِه، فلا حَدَّ لأعلاه، فلو كان لدى الرجلِ أربعٌ، وجعَلَ لكلِّ واحدةٍ ثلاثِينَ ليلةً أو أكثرَ، فلا يُوجَدُ مِن صريحِ الشَّرعِ ما يُفرِّقُ بينَ اللَّيلتَيْنِ والثلاثينَ ليلةً.
ومَن جوَّزَ ما زاد عن ليلةٍ واحدةٍ، فلا دليلَ يَمنعُهُ مِن الزيادةِ على أكثرَ مِن ذلك، وظاهر التعليلِ في منعِ الزيادةِ عن واحدةٍ: أظهَرُ مِن التعليلِ في منعِ ما زاد عن ليلتَيْن وثلاثٍ وسبعٍ وعشرٍ.
وإنْ كان الزوجُ في يومِ واحدةٍ، فله أن يتَفقَّدَ حاجةَ الأخرى وَيطمئِنَّ عليها، ولو دخَلَ دخولًا يزيدُ عن قدرِ الحاجة، وقد نصَّ على جوازِه مالكٌ وغيرُهُ، وقد صحَّ مِن حديثِ عائشةَ؛ قالت:"قَلَّ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ يَطُوفُ عَلَينَا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِن كُلِّ امْرَأةٍ مِن غَيْرِ مَسيسٍ، حَتَّى يَبلُغَ إِلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبيتَ عِنْدَهَا"؛ رواهُ أحمد وأبو داودَ (1).
وقولُهُ بعدَ ذلك: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: 130] فيه إشار إلى وجوبِ الاعتمادِ على اللهِ؛ فكما يُعِينُ اللهُ طالِبَ الزواج، فإنَّه يُعِين طالبَ الطلاقِ ما قصَدَ رِضوانَ اللهِ واعتمَدَ عليه، ويعينُ المتزوِّجَ، ويُعوِّضُ المطلِّقَ بخيرٍ.
* * *
في الآيةِ: دليلٌ على إقرار الإنسانِ على نفسِه، ولا خلافَ في صِحَّتِه.
(1) أخرجه أحمد (24765)(6/ 107)، وأبو داود (2135)(2/ 242).