الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اليومَ بمُؤخَّرِ المهرِ؛ لأنَّ ما جازَ إسقاطُهُ جاز تأخيرُهُ، وإذا تشارَطَ الزوجانِ تأخيرَ بعضِ المهر، وجَبَ الوفاءُ به، وهو شرطٌ صحيحٌ، وفي "السُّنَنِ"؛ قال صلى الله عليه وسلم:(المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا)(1)، وفي "الصحيحَيْنِ"؛ قال صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوفَى بِه، مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفرُوجَ)(2).
وقوله: {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} إشارةٌ لحِلِّهِ بطِيبِ نفسٍ منها، لا مكرًا ولا خديعةً، ولا إكراهًا وتغلُّبًا بسيفِ الحياءِ.
وفي الآيةِ: دفعٌ لِحَرَجِ النفوسِ التقيَّةِ مِن قُرْبِ مهرِ الزوجةِ إذا أَحَلَّتْهُ لزوجِها أو لأبيها عن طِيبِ نفسٍ منها.
شرطُ الوليِّ لنفسِهِ مالًا:
وإذا شرَطَ الأبُ حقًّا له مِن مالٍ ونحوِهِ على الزوجِ عندَ العقدِ وقَبلَهُ الزوجُ، فاختلَفَ العلماءُ في صحةِ ذلك الشرطِ على قولَينِ:
قال بجوازِه مسروقٌ وإسحاقُ.
وقد رُوِيَ عن مسروقٌ: أنَّه لمَّا زوَّجَ ابنتَهُ شترَطَ لنفسِهِ عَشَرةَ آلافٍ، فجعَلَها في الحجِّ والمساكين، ثمَّ قال للزوجِ:"جَهِّزِ امرأتَك".
ورُوِيَ هدا عن عليِّ بنِ الحُسَيْنِ (3).
وقال مَن جَوَّزَ ذلك للأبِ: إنَّه يَملِكُ مالَ أولادِهِ مِن غيرِ شرطٍ، وفي الشرطِ مِن بابِ أَولى.
وقال عطاءٌ وعكرمةُ وطاوسٌ وعمرُ بنُ عبدِ العزيزِ والثوريُّ ومالكٌ والشافعيُّ: بعدمِ صحةِ ذلك، ويكونُ الشرطُ عندَهم - إلَّا الشافعيَّ - حقًّا
(1) أخرجه أبو داود (3594)(3/ 304)، والترمذي (1352)(3/ 626).
(2)
أخرجه البخاري (2721)(3/ 190)، ومسلم (1418)(2/ 1035).
(3)
ينظر: "المغني"(7/ 224).
للمرأةِ؛ لأنَّه أخَذَ مالًا بسب نكاحِها؛ فيكونُ في حُكمِ مهرِها الذي تَملِكُه؛ فيَؤُولُ إليها، لا لأبيها.
وهذا هو الأظهَرُ؛ لأنَّ المهرَ يَنْقُصُ لأجلِ هذا الشرطِ عادةً، فربَّما نقَصَ الأبُ ين مهرِ ابنتهِ لِيَقْبَلَ الزوجُ شرطَه لنفسِه، فيكونُ حيلةً للإضرارِ بالزوجةِ.
ونصَّ أحمدُ على أنَّ شرطَ غيرِ الأبِ كالجَدِّ والعمِّ والخالِ والأخِ في المهر، لا يصحُّ، ويعودُ الشرطُ مهرًا للزوجةِ.
ويرى الشافعيُّ الشرطَ مِن الأبِ وغيرِهِ يُفسِدُ تسميةَ المهرِ كلِّه؛ لأنَّ الشرطَ عدَ اشتراطِهِ ينقُصُ مِن حقِّها، حتى لا يُثقِلَ على الزوجِ؛ فيكونُ تسميةُ المهرِ باطلًا، ولها مهرُ المِثلِ.
ويأتي مزيدُ كلام في شرطِ النكاح في قصةِ شعيبٍ عليه السلام في سورةِ القصصِ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: 27].
* * *
قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5)} [النساء: 5].
والنهيُ في هذه الآيةِ متوجِّهٌ للأولياءِ آباءً أو أزواجًا أو غيرَهم، والمقصودُ بالسَّفَهِ في الآيةِ: عدمُ إحسانِ التصرُّفِ؛ سواءٌ كان مِن الرجلِ أو المرأة، أو الصغيرِ أو الكبيرِ؛ وقد يكونُ سوءُ التدبيرِ في بابِ دونَ بابٍ، فما لم يُحسِنِ التصرُّفَ فيه الإنسانُ، يَدخُلُ في حُكمِ الآية، فمَن يُضارِبُ في سوقٍ لا يَعرِفها ولا يعرفُ إقبالَها ولا إدبارَها، ولا مواضعَ الربحِ والخسارةِ فيها، ولو كان عاقلًا مكلَّفًا في نفسِه، فهو داخلٌ في الآيةِ.