الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا
…
)؛ الحديثَ (1): دلالةٌ على ذلك، فذكَرَ الزرعَ وأذنابَ البقرِ؛ لأنَّ الزرعَ يطولُ انتظارُهُ فيُغرَسُ ويُسقَى ويُنتظَرُ حصادُهُ ثمَّ بيعُهُ وتَقَوُّتُه، وكذلك بيعُ العِينَةِ آجِلٌ، يختلِفُ عن البيعِ الذي ينتهي بالقبضِ ولا أجَلَ فيه؛ إشارةً إلى أنَّ هذه الأنواعَ دنيا يطولُ بها الزمنُ، وتترقَّبُها القلوبُ، وترقُّبُها وكثرتُها تزهِّدُ في الجهادِ وتنقبِضُ منه النفوسُ.
ولمَّا كانتِ الحياةُ ضدَّ الموت، كان المتعلِّقُ بها كارهًا للجهادِ؛ لأنَّ الجهادَ مَظِنَّهُ القتلِ؛ لهذا قال تعالى بعدَ هذه الآيةِ:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء: 78]؛ في الفرارِ مِن القتلِ في سبيلِ الله، فأصلُ الفِرارِ مِن الجهادِ حبُّ الحياةِ الدنيا.
رغبةُ النفوس، وأثرُها على الحقِّ:
وفي قولِهِ تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} :
عدمُ تعجُّلِ الأحكام قبلَ نزولِها، وتقديمُ حُكْمِ اللهِ على رغبةِ النفسِ وهواها، ولو كانتْ حَمِيَّتُهَا دينيَّةً؛ فما كلُّ حميَّةٍ دينيَّةٍ تُصِيبُ الحَقَّ؛ فقد تكونُ عَجَلَةً تَضُرُّ.
وقد نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن تمنِّي لقاءِ العدوِّ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَا تَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ، فإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا)(2)؛ وذلك أنَّ تمنِّيَ لقاءِ العدوِّ يمتزِجُ بشجاعةٍ نفسيَّةٍ تُورِثُ الإنسانَ اعتمادًا عليها فيَكِلُهُ اللهُ إليها، وكثيرٌ ممَّن يتمنَّى لقاءِ العدوِّ تدفَعُهُ الشجاعةُ الفِطْريَّةُ، وإنِ انساقَ إليها، تغيَّرتْ نيَّتُهُ، فقاتَلَ حميَّةً، ولِيُقالَ: جَرِيءٌ.
(1) أخرجه أبو داود (3462)(3/ 274).
(2)
أخرجه البخاري (3026)(4/ 63)، ومسلم (1741)(3/ 1362).
ثمَّ إنَّ تمنِّيَ لقاءِ العدوِّ يُفقِدُ الإنسانَ حُسْنَ الاختيارِ عندَ لقائِهِ بينَ التعجيلِ باللقاءِ أو تأخيرِه، أو المواجَهَةِ عندَ الشِّدَّةِ أو الانحيازِ إلى جهةٍ وفئةٍ، فمَن تمنَّى لقاءَ العدوِّ تَغْلِبُهُ نفسُهُ عن أنْ يُقالَ عنه: جبانٌ وخائفٌ وقد تمنَّى اللقاءَ مِن قبلُ، فيُقدِمُ في محلِّ إِحْجَامٍ، تدفعُهُ حميَّتُهُ ويُظهِرُ أنَّ ذلك لِدِينِه.
وقولُه تعالى: {وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا} : الفَتِيلُ: ما احتُقِرَ مِن الشيءِ الذي لا تَلْتَفِتُ إليه نفسٌ، ولا تُدَقِّقُ به عينٌ لحقارتِه.
وقيل: هو ما خرَجَ مِن الإصبَع؛ رواهُ مجاهدٌ، عن ابنِ عبَّاسٍ (1)، وبنحوِه قال سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ ومجاهدٌ (2).
وقال ابنُ عبَّاسٍ: "هو الذي يكونُ في شِقِّ النَّوَاةِ"، رواهُ عنه عِكْرِمةُ (3)، وصحَّ هذا عن قتادةَ ومجاهدٍ؛ أخرَجَ هذا ابنُ المُنذِرِ وغيرُه (4).
* * *
نزَلَتِ الآيةُ في المُنافِقينَ الذين يُظْهِرُونَ الطاعةَ لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عندَ
(1)"تفسير الطبري"(7/ 131)، و"تفسير ابن المنذر"(2/ 796)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 972).
(2)
ينظر: "تفسير ابن المنذر"(2/ 796)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 972).
(3)
"تفسير ابن المنذر"(2/ 796).
(4)
"تفسير ابن المنذر"(2/ 796)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 973).