الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدوِّ أقرَبَ، كان في الأجرِ والثوابِ أعظَمَ؛ لأنَّ اللهَ أمَرَهم أن يُقاتِلُوا، وإنْ أبَوْا أنْ يكونوا مِن ورائِهم يُكثِّرونَ سَوَادَ المسلِمينَ، ويَحُوطُونَ حريمَهم لو تَقَهْقَرَ المسلِمونَ أو أحاطَ بهم عدوُّهم.
جهادُ الطلب، وجهادُ الدفع:
وأخَذَ بعضُهم مِن الآيةِ الإشارةَ إلى نوعَي الجهادِ: جهادِ الطلَب، وجهادِ الدَّفْعِ؛ وهذا نسبيٌّ وليس تقسيمًا مطلَقًا في الآيةِ؛ لأنَّ خروجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ أُحُدٍ دفعٌ لا طلبٌ؛ لأنَّه عَلِمَ بقدومِ المشرِكِينَ إليه فتجهَّزَ لمُواجهتِهم وصدِّهم، وهذه الآيةُ نزَلَتْ في أُحُدٍ، ولكنَّ المتأخِّرينَ مِن وراءِ المُقاتِلينَ يُعَدُّونَ مُدافِعينَ بالنسبةِ للمُتقدِّمينَ عليهم، والمتقدِّمينَ يُعَدُّونَ مُقاتِلينَ وطالِبينَ بالنسةِ للمُتأخِّرينَ عنهم.
التفاضُلُ بين جهادِ الدفعِ والطلبِ:
وجهادُ الطلبِ أَعظمُ مِن جهادِ الدفعِ؛ لأنَّ جهادَ الدفعِ لا يَفتقِرُ إلى نِيَّةٍ، ومشوبٌ بقصدِ حِياطَةِ الدُّنيا وحمايتِها مِن نفسٍ وأرضٍ ومالٍ وعِرْضٍ، وأمَّا جهادُ الطلب، فالقصدُ فيه أكثرُ تجرُّدًا؛ لاشتراطِ النيةِ فيه لإعلاءِ كلمةِ الله، ثمَّ إنَّ أَصلَ جهادِ الدفعِ مِن جِنْسِ الفِطْرةِ والحَمِيَّةِ الموجودةِ في جنسِ الحيوانِ، كان إنسانًا أَو بهيمًا، فهو يدفعُ المعتديَ عليه، وأمَّا جهادُ الطلب، فمِن خصائصِ الإنسانِ وأهلِ الإيمان، وفي جهادِ الدفعِ حمايةٌ للدُّنيا وصَوْنٌ لها، وفي جهادِ الطلبِ تركٌ للدُّنيا وبَذْلٌ لها، وقد يكونُ المجاهدُ يُجاهِدُ جهادَ الدفعِ وله أجرُ جهادِ الطلبِ وفضْلُهُ إذا كان يدفعُ عن مالِ غيرِهِ ونفسِهِ وعِرْضِهِ وأرضِه؛ فهذا في جهادِهِ جهادُ دفعٍ، وأجرُهُ أجرُ طلبٍ.
وكِلا الجهادَيْنِ الدفعِ والطلبِ فَضْلُهما عندَ اللهِ عظيمٌ، والأجرُ الواردُ في الكتابِ والسُّنَّةِ لهما في الآخِرةِ يَدْخُلانِ فيه جميعًا، ولكنَّه عندَ
التفاضُلِ؛ فالطلبُ أفضلُ مِن الدفعِ في الآخِرة، وجهادُ الدفعِ أَوْجَبُ في الدُّنيا؛ وهذه المسألةُ مِن نوادِرِ المسائلِ التي يكونُ فيها النفلُ أَعظَمَ مِن الفرضِ وهما مِن جنسٍ واحدٍ.
وأخَذَ بعضُهم مِن قولِه: {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا} الإشارةَ إلى عدمِ اشتراطِ النِّيَّةِ في الدفع، فذكَرَ القتالَ فقال:{قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} ، وما ذَكَرَ سبيلَ اللهِ في الدفع، ولعلَّ الأظهرَ: أنَّ اللهَ ذكَرَ الدفعَ بعدَ المُقاتَلةِ في سبيلِ اللهِ عطفًا عليها، وتقديرُهُ:(أو ادْفَعُوا في سبيلِ اللهِ)؛ ولكنْ حذَفَ: (سبيل اللهِ) دفعًا للتكرارِ.
ولا خلافَ أنَّ جهادَ الدفعِ لا يفتقرُ إلى نِيَّةٍ؛ وإنَّما قصدُ حمايةِ العِرْضِ والدمِ والنفسِ والمالِ كافٍ في ثُبُوتِ الأجرِ؛ ففي "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو رضي الله عنهما؛ قال: سمِعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِه، فَهُوَ شَهِيدٌ)(1).
وعندَ أبي داودَ والنَّسَائِيِّ وغيرِهما؛ مِن حديثِ سعيدِ بنِ زيدٍ: (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِه، أَوْ دُونَ دَمِه، أَوْ دُونَ دِينِه، فَهُوَ شَهِيدٌ)(2).
وأمَّا جهادُ الطلب، فلا يُقبَلُ إلا بنيةٍ، ومَن قاتَلَ بلا نيةٍ، فمِيتَتُهُ جاهليَّةٌ؛ لِما في "الصحيحَيْنِ":(مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ)(3).
* * *
(1) أخرجه البخاري (2480)(3/ 136)، ومسلم (141)(1/ 124).
(2)
أخرجه أبو داود (4772)(4/ 246)، والترمذي (1421)(4/ 30)، والنسائي (4095)(7/ 116).
(3)
أخرجه البخاري (123)(1/ 36)، ومسلم (1904)(3/ 1513).