الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال ابنُ مسعودٍ - فيما رواهُ الطبرانيُّ، وابنُ سَعْدٍ، وابنُ عساكرَ -:"كان إسلامُ عُمَرَ فَتْحًا، وكانتْ هجرتُهُ نَصْرًا، وكانت إمارتُهُ رحمةً؛ لقد رأيتُنا وما نَستطيعُ أن نُصلِّيَ بالبيتِ حتَّى أسلَمَ عُمَرُ، فلمَّا أسلَمَ عمرُ، قاتَلَهم، حتَّى ترَكُونا فصَلَّيْنا"؛ رَواهُ القاسمُ بنُ عبدِ الرحمن، عنِ ابنِ مسعودٍ (1).
وإسلامُ عمرَ كان عند خروجِ مَن خرَجَ مِنَ الصحابةِ إلى الحبَشَة، كما ذكَرَ ابن إسحاقَ (2).
وقد رجَعَ مهاجِرو الحبشةِ مِن هجرتِهِمُ الأُولى إلى مَكَّةَ في شوَّالٍ مِن عامِهم، فاشتَدَّ أمرُ قريشٍ وحُلفائِها عليهم وعلى مَن أسلَمَ مِن بعدِهم، حتَّى حُوصِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وبنو هاشمٍ في شِعْبِ أبي طالبٍ، فرجَعُوا هم وغيرُهم مُهاحِرينَ مرَّةً أُخْرى إلى الحبَشَة، وكانوا فوقَ الثمانِينَ رجُلًا وامرأةً، حتَّى تَبِعَتْهُم قُرَيشٌ برَسُولِها إلى النَّجَاشيِّ ليُعِدَهم ويَقطَعَ ذِمَّتَهُ وجِوارَهُ لهم، فامتَنَعَ مِن ذلك.
وقد روى أحمدُ، عنِ ابنِ مسعودٍ؛ قال: "بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى النَّجَاشِيِّ، وَنَحْنُ نَحْوٌ مِنْ ثَمَانينَ رَجُلًا، فِيهِمْ عَبْد اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَجَعْفَرٌ، وَعَبْد اللهِ بْنُ عُرْفُطَةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبُو مُوسَى
…
"؛ الحديثَ (3).
سببُ عدمِ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحَبَشةِ:
وإنَّما لم يُهاجِرِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم معَهُمْ إلى الحبشةِ؛ لأنَّ اللهَ أخبَرَهُ بحِفظِهِ ونَصْرِه، وبه قيامُ الدِّينِ في أُمِّ القُرى وما حولَها وما بَعْدَ عنها، فلا ينوبُ
(1)"المعجم الكبير" للطبراني (8806)(9/ 162)، و"الطبقات الكبرى" لابن سعد (3/ 270)، و"تاريخ دمشق"، لابن عساكر (44/ 48).
(2)
"سيرة ابن هشام"(1/ 342).
(3)
أخرجه أحمد (4400)(1/ 461).
عنه في قيامِ هذا الأمرِ أحدٌ، وهو ينوبُ عن كلِّ أحدٍ، فأمَرَ صحابتَهُ بالهجرةِ إلى الحبشةِ؛ ليُقِيموا دينَهم، وَيحفَظوا أنفُسَهم، حتَّى عادُوا مرَّةً أخرى متفرِّقينَ حتى السنةِ السابعةِ مِنَ الهجرةِ حينَما أرسَلَ إليهِمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمَّا اشتدَّ أمرُ النبيِّ، وقَوِيَت شوكةُ المُسلِمينَ، وانكسَرَت شوكةُ المُشْرِكينَ، بعدَ بَدْرٍ وأُحُدٍ والحُدَيْبِيَةِ وفتحِ خَيْبَرَ، حتَّى قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:(مَا أَدْرِي بأَيِّهِمَا أَنَا أَسَرُّ؛ بِفَتْحِ خَيْبَرَ، أَوْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ! (1).
وفي هذا جوازُ أن يدخُلَ بعضُ المُسلِمِينَ في حمايةِ غيرِ المُسلِمينَ؛ عندَ تعذُّرِ قوَّةٍ للمُسْلِمنَ تَحَفَظُ دينَهم ودَمَهم.
وقد كانتْ آياتُ الجهادِ قد نزَلَت عَلَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، والصحابةُ في الحبَشَةِ، فلم يأمرُهُمْ بالقتالِ فيها؛ لأنَّهم قليلٌ، والحاكمُ عَدْلٌ يُرْجَى إسلامُهُ بلا قتالٍ، وقد أسلَمَ بعدُ، فأخبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بموتِهِ وإسلامِهِ قبلَ فتحِ مكَّةَ.
وفي هذا أنْ يُفَرِّقَ المسلِمونَ بينَ مواضعِ القُوَّةِ والضعفِ فيهم، ويُفرِّفوا بينَ الدولةِ الكافرةِ المُسالِمةِ المُناصِرة، والدولةِ الكافرةِ المُحارِبةِ المعاديةِ؛ فالنجاشيُّ احتُسِبَ نَصِيرًا وهو كافرٌ، فاحْتُمِيَ به زمَنَ الضَّعْفِ، فلم يُعَادَ ولم يُقاتَلْ، ثُمَّ أسْلَمَ رضي الله عنه.
* * *
المرادُ بالهجرةِ في الآيةِ: الهِجْرةُ إلى المدينة، والمُراغَمُ هو
(1) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"(1470)(2/ 108)، وابن هشام في "السِّيرة"(2/ 359).