الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعدَّهُ كثيرٌ مِن النَّقَلَةِ قولَينِ للصحابةِ أو للتابعينَ، وأكثرهم ما كانوا يَقصِدُونَ إلَّا الدلالةَ على العينِ بأحدِ أوصافِها، فهم إنْ قالوا: أولو الأمرِ هم العلماءُ، فلا يَعْنُونَ تعدُّدَ الوُلَاةِ لتعدُّدِ العلماءِ وكثرتِهم؛ ولكنْ لأنَّ الأصلَ أنَّ العلماءَ لا يختلِفونَ في أمرِ العامَّةِ ومصالِحِ الأمَّة، وإنِ اختلَفُوا في الاجتهاد، تطاوَعُوا في العمل، فلم يتنازَعُوا لأجلِ أنفُسِهم وأهوائِهم، سواءٌ كان العالِمُ معه قوةُ سُلطانٍ أو لم يكن معه قوةُ سُلطانٍ؛ لأنَّ سلطانَ العالِمِ أقوَى مِن سلطانِ الأمرِ؛ ولذا كان أكثرُ السلفِ يُفسِّرونَ أُولي الأمرِ بالعلماء؛ فقد صحَّ هذا عن ابنِ عبَّاسٍ؛ رواهُ عليُّ بنُ أبي طلحةَ، عنه (1).
وقال به عامَّةُ السلفِ؛ كأبي العاليةِ وعطاءٍ ومجاهدٍ والحسنِ والنخَعيِّ وبكرٍ المُزَنِيِّ وعِكْرِمةَ (2).
والآية نزَلَت في طاعةِ أميرِ الجيش والجندِ، وهي الولايةُ الصُّغرى؛ فالولايةُ ولايتانِ، كما أنَّ البيعةَ بيعتان، بيعةٌ وولايةٌ صُغرى، وبيعةٌ وولايةٌ كبرى؛ فقد روى الشيخان، عن ابن عبَّاس؛ قال:"نَزَلَت فِي عَبدِ اللهِ بْنِ حُذَافةَ بنِ قَيس بنِ عَدِيٍّ؛ إِذ بَعَثَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَرِيَّةٍ"(3).
الطاعةُ بالمعروفِ:
وتجبُ الطاعةُ بالمعروف في غيرِ معصيةِ اللهِ للأُمراءِ والحُكَّام، ولو لم يكُنِ المأمورُ به واجبًا، أو المنهيُّ عنه محرَّمًا، إنْ كان فيه مصلحةٌ للنَّاسِ: يجبُ بالأمر، ويُمنَعُ بالنهي، لا لِذَاتِه؛ وإنَّما لمآلِه، فلا يُحِلُّ ولا يُحرِّمُ الأشياءَ بِذَاتِهِ إلَّا اللهُ، ومَن جعَلَ هذا مِن خصائِصِ أحدٍ، فقد
(1)"تفسير الطبري"(7/ 180)، و "تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 989).
(2)
ينظر: "تفسير الطبري"(7/ 179 - 181)، و "تفسير ابن المنذر"(2/ 766)، و "تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 989).
(3)
أخرجه البخاري (4584)(6/ 46)، ومسلم (1834)(3/ 1465).
كفَرَ، ولكن يُؤجَرُ المطيعُ للحاكِم، لا لِذَاتِ الفعلِ المُباحِ الذي أُمِرَ به، ولا لِذَاتِ التركِ للمباحِ المنهيِّ عنه؛ وإنَّما لمآلِهِ ومقدارِ انتفاعِ النَّاسِ به، ودفعِ المفاسِدِ عنهم به، ومتى انتَفَتِ المصلحةُ منه، تُرِكَ، فلا يجوزُ للحاكِمِ الأمر به ولا النهيُ عن ضدِّه، ومَن ترَكَ مِن الرعيَّةِ أمرَ الحاكمِ؛ لأنَّه يَرى أنَّ المفسدةَ في حقِّه مُنتفِيةٌ عندَ تركه وتيقَّنَ من ذلك، لم يكنْ آثِمًا لمجرَّدِ تَركِه؛ وإنَّما لوقوعِ المفسدةِ اللاحِقةِ من تركِهِ للأمرِ أو فعلِهِ للنهيِ لو وقعَت؛ لأنَّه لا يُثابُ على فعلِ المأموراتِ نفسِها، ويُؤَثَّمُ على تركِ المنهيَّاتِ نفسِها، إلَّا إن كان الآمِرُ والناهي هو اللهَ، ولو لم تتَّضِحْ للعبدِ الحِكمة مِن الأمرِ والنهيِ.
ولا تُترَكُ طاعةُ الأميرِ لمجرَّدِ الظنِّ بعدمِ وُرُودِ المفسدةِ من مخالفتِه؛ لأنَّ هذا البابَ لو فُتِحَ، لَوُكِلَ العامَّةُ إلى ظنونِهم وأهوائِهم؛ ففسَدَ أمرُ النَّاسِ واجتماعُهم؛ لِعَمَلِ كلِّ واحدٍ بظَنِّهِ لمصلحتِهِ وهواهُ، وتعطَّلَ الأمرُ، وفسَدَتْ ولايةُ السُّلْطان، وضعُفت هيبتُهُ في النفوسِ.
ولا يُطاعُ السُّلْطانُ في معصيةِ الله، ومَن أطاعَهُم في معصيةِ الله، أثِمَ؛ ففي "المسندِ"، و "الصحيحَيْن" عن عليٍّ؛ قال: "بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً، وَاستَعمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا من الأنْصَارِ، قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا، قَالَ: وَجَدَ عَلَيْهِم في شَيْءٍ، قَالَ: فَقَالَ لَهُم: ألَيس قَد أَمَرَكُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن تُطِيعوني؟ قَالَ: قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَقَالَ: اجمَعُوا حَطَبًا، ثُمَّ دَعَا بنَار، فَأضْرَمَهَا فِيه، ثُمَّ قالَ: عَزَمْتُ عَلَيكُمْ لتَدخُلُنَّهَا، قَالَ: فَهمَّ القَوْمُ أن يَدْخُلُوهَا، قَالَ: فقَالَ لَهُم شَابٌّ مِنهُم: إِنَّمَا فَرَرتُم اِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ النَّار، فَلَا تَعجَلُوا حَتَّى تَلقَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَإن أمَرَكُمْ أن تَدخلُوهَا، فَادخُلُوهَا، قالَ: فَرَجَعُوا إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأخْبَرُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ: