الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمِ مع الكافرِ على أنْ يأكُلَ الكافر مالَ المسلمِ أَظهَرُ في التحريمِ على المسلمِ أنْ يأذَنَ بذلك أو يعاقِدَ عليه.
تعامُل المسلِمِ بالربا مع الكافِرِ:
والأظهرُ: تحريمُ التعاقدِ بالربا ونحوه بينَ المسلمِ والكافرِ في دارِ الكفرِ والحربِ، إلا بقيدينِ:
الأول: أن يكونَ الانتفاعُ للمسلمِ، لا للكافرِ.
الثاني: أن يكونَ قد دخَلَ دارَ الحربِ بغيرِ أمانٍ، فمَن دخَلَها بأمانٍ، حَرمَ عليه مالُ الكافرِ في تلك الدارِ ودَمُهُ، ومن صورِ الأمانِ: الوثائقُ والأوراقُ ولو مزوَّرةً مزيفةً، لأنَّ العِبرةَ بالظاهرِ، وإذا دخَلَها بغيرِ أمانٍ، فالأصلُ في مالِ الحربي الحِلُّ بغيرِ إذْنِهِ وعِلمِه، فإذا أخَذَه بعِلمِهِ ولو بعقدٍ أولى.
وبغيرِ هذينِ القيدَينِ لا يجوزا التعاقُدُ بالربا ونحوِه، وهو الأولى أن يُحمَلَ عليه القول المرويُّ عن أبي حنيفةَ ومَن أطلَقَ إطلاقَه.
وأما خبر مكحولٍ مرسلًا: (لَا رِبَا بينَ مسلِمٍ وحربيٍّ)، أو (لا رِبَا بينَ أهلِ حربٍ)، فلا أصلَ له، وقد قال الشافعي:"ليس بثابتٍ".
ويحتجُّ به الحنفيةُ في هذا البابِ، ولا أصلَ له حتى عندَ محقِّقيهم مِن أهلِ الحديثِ كالزَّيلَعِي، ومِن أهلِ الفقهِ كابنِ الهُمَامِ.
تبايعُ المسلِمِ والكافِرِ بالخمرِ والخنزير:
ولا يدخُل في هذا تجويزُ بيع الخمرِ ولحمِ الخِنزيرِ عليهم؛ لأن الخمرَ والخِنزيرَ والمَيتة محرَّمٌ لِذَاتِه وعَينه على المسلمِ، سواءٌ أخَذَهُ أو أعطاهُ بطِيبِ نفسٍ أو ببيعٍ، أما المالُ، فيجوزُ فيه الهِبةُ والعطيةُ، فهو لا يحرُمُ لِذَاتِه؛ وإنما لأنه أخِذَ بغيرِ طيب نفسٍ، فالربا أخِذَ لأن المحتاجَ أُلجِئَ إليه، فصارَ أكلًا لمالِه بالباطلِ ولو عاقَدَ عليه برِضاهُ في
الظاهرِ، فهو قد ألجِئَ إليه في الحالِ وتضرَّرَ به في المال بالزيادةِ فيه.
روى عبدُ الرزاقِ وابنُ المنذرِ، عن سُوَيْدِ بنِ غَفَلَةَ؛ قال: بلَغَ عمرَ بن الخطاب أن عمالَه يأخذون الجِزيَةَ مِن الخَمرِ، فناشدَهم ثلاثًا، فقال بلال: إنَّهم لَيَفعَلونَ ذلك، قال: فلا تفعَلُوا، ولكنْ وَلُّوهُم بَيعَها، فإنَّ اليهودَ حُرمت عليهم الشحومُ فباعوها وأكَلُوا أثمانَها (1).
ومِن الجهلِ تجويزُ سرقةِ المسلم من الكافرِ في دارِ الحرب التي دخَلَها بأمانٍ، وتخريجُ ذلك على قولِ أَبي حنيفةَ، فهذا لا أَعلمُ مَن قال به.
وبقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا} استدَلَّ بعضُ الحنفيةِ على ملازمةِ الغريمِ لغريمِه، وبعضُهم استدَل بها على جوازِ حبس المَدِينِ، وقد تقدَّمَ الكلامُ على هذا في البقرةِ عندَ قولِهِ تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].
* * *
في الآية تغليظُ اليمينِ، وتعظيمُ عهدِ اللهِ، ووجوبُ الوفاءِ به، وأن مِن أعظمِ الحرامِ الأكلَ باليمينِ مالًا حراما؛ فذلك المالُ مِن أعظم السحتِ، ففي الصحيحِ؟ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ أبي أوفَى رضي الله عنه: "أنَّ رجُلًا أقامَ سِلعةً وهو في السوقِ، فحَلَفَ بالله لقد أعطَى بها ما لم يُعطِ؛ لِيُوقِعَ فيها رجلًا مِن المسلِمينَ، فنزَلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ
(1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(9886)(6/ 23).