الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُجعَلَ بُسُطًا فتُوطَأ؟ " (1).
والأَكْمَهُ الذي يُولَدُ أعمَى؛ قالَهُ الضَّحَّاكُ عن ابنِ عباسٍ؛ وهذا أبلغُ في الإعجازِ والتحدِّي (2).
ولابنِ عباسٍ قولٌ آخَرُ: أنَّه الأعمَى بكلِّ حالٍ! وُلِدَ كذلك، أو عَمِيَ بعدَ ذلك؛ وبه قال السُّدِّيُّ وقتادةُ والحسنُ (3).
وقيل: هو الذي يُصابُ ببصرِه فيَرَى في النهارِ، ولا يَرَى في الليلِ؛ قالَه مجاهدٌ (4).
وقال عكرمةُ: هو الأَعْمَشُ (5).
وأمَّا إحياءُ المَوْتَى، فبدُعائِهِ اللهَ لهم، لا بقدرةٍ خاصةٍ وضَعَها اللهُ فيه.
والإنباءُ بالمُدَّخَرَاتِ؛ لِيُثبِتَ صِدقَهُ وتأييدَهُ مِن اللهِ؛ إذْ لا يَعلَمُ غيبَ الخَلقِ إلا الخالقُ، وعِلمُ عيسى مِن اللهِ بلا سببٍ للعِلمِ سابقٍ، ولا واسطةٍ من الإنسِ والجنِّ محسوسةٍ؛ وهذا الفرقُ بينَ المُنجِّمِينَ والكهنةِ وبينَ الأنبياءِ.
فقيل: إنَّ عيسى لمَّا كان غلامًا يُخبِرُ الصِّبْيانَ ما يأكُلُونَهُ وما يَدَّخِرُونَهُ هم وآباؤُهم في بُيوتِهم، وربَّما لم يَعلَموا هم، فيَذهبونَ فيرَوْنَ صِدقَ ذلك.
حكمُ ادِّخَارِ المالِ:
وفي قوله تعالى: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} : دليلٌ
(1) أخرجه أحمد (8045)(2/ 305)، وأبو داود (4158)(4/ 74)، والترمذي (2806)(5/ 115) ، والنسائي في "السنن الكبرى"(9708)(8/ 461)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(6946)(4/ 287).
(2)
"تفسير الطبري"(5/ 422).
(3)
"تفسير الطبري"(5/ 422).
(4)
"تفسير الطبري"(5/ 421).
(5)
"تفسير الطبري"(5/ 423).
على جوازِ الادِّخارِ في البيوتِ ممّا يَفِيضُ على الحاجةِ لشهرٍ أو شهورٍ أو أعوامٍ؛ فعيسى أَخبَرَهم ولم ينْهَهُم، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يدَّخِرُ قُوتَ سَنَةٍ؛ كما في "صحيح مسلمٍ"(1)؛ مِن حديثٍ جابرٍ، وعيسى لم يَنهَهُم عن الادِّخارِ؛ وإنَّما أَخبَرَهم به.
وفي "الصحيحينِ"، عن عمرَ رضي الله عنه، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَبِيعُ نخلَ بَني النضيرِ، وَيحبِسُ لأهلِه قُوتَ سَنَتِهم (2).
وكان الصحابةُ يَدَّخِرونَ قُوتَ سَنَتِهم مِن التمرِ! لأنَّه أطولُ الثمرِ بقاءً إلى الحَوْلِ؛ ولذا أَرْخَصَ لهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في العَرَايَا؛ أنْ يشْتَرُوا الرُّطَبَ بما فضَلَ مِن قُوتِ سنتِهم مِن التمرِ؛ كما رواهُ محمودُ بن لبيدٍ رضي الله عنه (3).
ولا خلافَ في جوازِ الادِّخارِ، ما لم يُضِرَّ بالناسِ، فيدَّخِرُ في بيتِه طعامَ سَنَةٍ، ولا يجدُ الناسُ طعامَ يومِهم أو شهرِهم.
وأمَّا ما رواهُ الترمذيُّ، عن أنسٍ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يدَّخِرُ شيئًا لغدٍ (4).
فرُوِيَ مِن حديثِ جعفرِ بنِ محمدٍ، عن ثابتٍ، عن أنسٍ، ورواهُ مرسلًا مِن غيرِ ذِكرِ أنسٍ؛ وهو الصوابُ.
وجاء بنحوِه مِن حديثِ هلالِ بنِ سُوَيْدٍ عن أنسٍ؛ وهو ضعيفٌ.
وفيه: أنَّ كشْفَ تلك المدَّخَراتِ ليس مما يُعابُ أو يُستَرُ، فمَن أخبَرَ به وتحدَّثَ عنه، لم يَكشِفْ سترًا إذا قصَدَ مِن ذلك حقًّا، لا حسدًا أو شماتةً وتنقُّصًا وتعييرًا.
(1) أخرجه مسلم (2084).
(2)
أخرجه البخاري (5357)(7/ 63)، ومسلم (1757)(3/ 1379).
(3)
"الأم"(3/ 54).
(4)
أخرجه الترمذي (2362)(4/ 580).
ومنه يُؤخَذُ جوازُ إفصاح أهلِ المالِ عن مُدَّخَرَاتِهم مِن مالٍ وطعامٍ وعقارٍ وغيرِه، ووجوبُ الإفصاحِ عندَ الحاجةِ؛ وذلك فيمَن يشتبهُ به السرقةُ أو الرِّشْوةُ، أو في زمنِ ضعفٍ وكثرةِ الولاياتِ وتعدُّدِها وكثرةِ الوُلاةِ عليها ممَّن يُخشَى على بيتِ المالِ منهم، فيُفصِحونَ عن أموالِهم؛ حتى تُحفَظَ أموالُ المسلِمينَ، وأنَّ كشْفَها والإخبارَ عنها ليس ممَّا يُعابُ أو يُعزَّرُ مَن فعَلَه إلا إنْ كان على سبيلِ التشهيرِ والازدراءِ والتنقُّصِ؛ وذلك لأنَّ المالَ الحلالَ لا يُعابُ ولا يُستحْيَا مِن كسبِه؛ وإنَّما يُخشَى ويُستحيا مِن الكسبِ الحرامِ.
* * *
* قال تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)} [آل عمران: 61].
بيَّنَ اللهُ حالَ نبيِّه عيسى لنبيِّه محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ فبيَّنَ نَسَبَهُ ونسَبَ والدتِه ونشأتَه ومُعجزاتِه؛ ليكونَ على بيِّنةٍ مِن أمرِ المُفْتَرِينَ عليه، ولِيَظهَرَ عِلمُ نبيِّه عندَهم بتفاصيلِ ما يُخْفُونَ وما يَجهَلون، فلم يَعِشِ النبيُّ وَسَطَ أهلِ الكتابِ، ولم يكنْ منهم، وعِلمهُ بدقائقِ نشأةِ عيسى وأُمِّه ومعجزاتِه لا منفذَ له إلى ذلك إلا بوحيِ الخالقِ؛ فالخالقُ أَعلمُ بما خَلَق.
ثمَّ ذكَرَ اللهُ أنَّهم يُجادِلونَ ولا ينقَطِعونَ عنادًا إلا بالمُبَاهَلَةِ إنِ انقطَعوا، وقد أمَرَ اللهُ نبيَّه صلى الله عليه وسلم أنْ يدْعُوَهم إلى الاجتماعِ للمُباهَلةِ، فذكَرَ حالَ اجتماعهم: الأبناءُ مع الأبناءِ، والنساءُ مع النساءِ، والرجالُ مع الرجالِ، وفي هذا بيانٌ لحالِهم وحالِ اليهودِ في استقامةِ الفِطْرةِ في تمايُزِ الجنسينِ الرجالِ والنساءِ في المَجالِسِ والمَجامِعِ، فالصِّغارُ يُفارِقُونَ