الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصغَرَ أنْ يدخُلَ المسجِدَ، ولكنَّ السَّكْرانَ والجُنُبَ يَحرُمُ عليهما ذلك؛ لقوله:{لَا تَقْرَبُوا} ؛ فالقُرْبْ قَدْرٌ فوقَ المُباشَرةِ، ولرفعِ الالتباسِ ذكَر اللهُ جوازَ تيمُّمِ الجُنُبِ عندَ فقدِ الماءِ بعدَ ذلك كما في قولِه:{وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} ؛ ففي قولِه {لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} بعد قوله {وَلَا جُنُبًا} إشارةٌ إلى اختلافِ الموضعَيْنِ في الحُكْمِ؛ فالأولُ نهيٌ عن موضعِ الصلاة، والثاني يتضمَّنُ نهيَ الجُنُبِ عن الصلاةِ بلا وضوءٍ أو تيمُّمٍ.
ولا فَرْقَ في حُكْمِ الجُنُبِ بين الحاضِرِ والمسافِرِ عندَ فقدِ الماءِ عندَ عامَّةِ السلفِ وجمهورِ الفقهاءِ؛ خلافًا لأبي حنيفةَ، وجماعةٌ مِن فُقَهاءِ الحنفيَّةِ لا يُفرِّقونَ كالجمهورِ؛ وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ والأوزاعيِّ.
مباشرةُ المعتكِفِ لزوجتهِ:
وفي الآيةِ: دليلٌ على تحريم الجِمَاعِ في المسجدِ للمُعتكِفِ وغيرِه؛ لدلَالةِ الآيةِ بالنهي عن قُرْبِ الصلاةِ للجُنُبِ، فسببُ الجنابةِ مِن بابِ الأوْلى.
الاحتلامُ في المسجد، وتخفيفهُ بالوضوء:
ومَن نام أوِ احتلَمَ لا يأثمُ؛ لعدمِ تكليفِهِ عندَ وُرُودِ السببِ عليه، ويخرُجُ يغتسلُ أو يتخفَّفُ مِن الجنابهِ بوضوءٍ؛ كما هو عملُ الصحابةِ؛ كما رواهُ سعيدُ بنُ منصورٍ والأثرَمُ، عن عطاءٍ؛ قال:"رأيتُ أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَجلِسونَ في المسجدِ وهم مُجنِبُونَ إذا توَضَّؤُوا وُضوءَ الصلاةِ"(1).
(1)"التفسير من سنن سعيد بن منصور"(646)(4/ 1275)، و"تفسير ابن كثير"(2/ 313).
وسندُه صحيحٌ.
وبنحوِه روى زيدُ بنُ أسلَمَ عنهم.
وقال بهذا أحمدُ وإسحاقُ: أنَّ الوضوءَ يُخفِّفُ، ويجوزُ معه المُكْثُ.
وقال مالكٌ: بمنعِ المُكْثِ والمرورِ بكلِّ حالٍ؛ وهو ظاهرُ مذهبِ الحنفيَّة.
وكان أبو حنيفةَ يمنعُ المرورَ إلا للمتيمِّم، وأمَّا المُكْثُ: فيمنعُهُ بكلِّ حالٍ؛ أخذًا بظاهرِ الحديثِ المرويِّ في "سُننِ أبي داودَ"؛ مِن حديثِ أَفْلَتَ بنِ خليفةَ، عن جَسْرَةَ بنتِ دِجَاجَةَ، عن عائشةَ مرفوعًا:(لَا أُحِلُّ المَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ)(1).
والحديثُ ضعيفٌ لا يُحتَجُّ به؛ تفرَّدتْ به جَسْرَةُ، وعنها أَفلَتُ؛ قال البخاري:"عندَها عجائب"(2).
وجَسْرَةُ كوفيَّةٌ ليستْ معروفةً بالحديثِ ولا بالفقه، وليستْ معروفةً بالأخذِ عن عائشةَ ولا بمجالستِها، ولعائشةَ أصحابٌ كثرٌ يرْوونَ عنها حديثَها، ويَحمِلونَ فِقهَها مِن الرِّجالِ والنِّساء، وفي قَراباتِها مِن النِّساءِ والرِّجالِ ما لا يَفوتُ عليهم مِثلُه، ولا يَفُوتُ عليها تحديثُهم به.
وضعَّفَ أحمدُ أَفلَتَ مرَّةً (3)، وقال في أُخرى:"لا أرَى به بأسًا"(4).
وجاء مِن حديثِ أبي الخطابِ، عن مَحدُوجٍ الذُّهْلِيِّ، عن جَسْرَةَ،
(1) أخرجه أبو داود (232)(1/ 60).
(2)
"التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 67 رقم 1710).
(3)
ينظر: "شرح السُّنَّة" للبغوي (2/ 46)، و"تهذيب التهذيب"(1/ 366 رقم 668).
(4)
"العلل ومعرفة الرجال" لأحمد رواية ابنه عبد الله (3/ 136 رقم 4592).