الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد يَجعَلُ الشارعُ بعضَ الأفعالِ مِنَ الفِطْرةِ؛ لأنَّها تُعِيدُ المخلوقَ على أصلِهِ مِن النَّظافةِ والطَّهارةِ؛ كتقليمِ الأظفارِ وحَلْقِ العانةِ ونَتْفِ الإبْطِ وغَسْلِ البَراحِم والاستنشاقِ واستنقاصِ الماء، وعلى قولٍ السِّوَاك؛ فقد جاء في الأثرِ أَنَّه مِنَ الفِطْرةِ؛ لأنه يعِيدُ الفمَ على فِطْرتِهِ مِن الطهارةِ.
تغييرُ العيوبِ:
وكلُّ ما خالَفَ فيه الإنسانُ السويَّ الصحيحَ، جاز له تغييرهُ بالتطيُّبِ؛ لأنَّه عيبٌ؛ كمَن وُلدَ أعمَى أو أبكَمَ أو أصَمَّ أو أبرَصَ أو أقرَعَ، وكما جازَ للثَّلاثةِ الأقرعِ والأبرَصِ والأعمى أن يَدْعُوا اللهَ فيَشْفيَهم، ولم يَسْأَلُوا حَرَامًا ولا إثمًا، كذلك لو تطيَّبُوا، وقصَّة الثلاثةِ في "الصحيحَينِ" وغيرِهما (1).
وتغيير الإنسانِ للونِ شعرِ رأسِه جائزٌ؛ لأنَّه يجوزُ له قَصُّهُ أصلًا، فكيفَ بتغييرِه؟ ! ولكن لا يجوزُ له تغييرُهُ إلى لونٍ شاذٍّ لا يُعْرَفُ في فِطَرِ الناسِ عادةً، حتَّى يُوصَفَ بالشذوذِ والشهرةِ بين الناسِ.
وقد أجازَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم تغييرَ شَعْرِ اللِّحْيةِ إلى لونٍ لا يُفْطَرُ عليه العربُ عادةً، وهو الحِنَّاءُ، فدلَّ على جوازِ تغييرِهِ إلى لونٍ لا يُنهى عنه؛ كالسَّوَادِ على الكَرَاهة، والشُّهْرةِ على التحريمِ.
يَسألُ الصحابةُ عن فرائضِ النِّساءِ وحُكْمِ اللهِ في شأنِهنَّ ممَّا يختصُّ
(1) أخرجه البخاري (3464)(4/ 171)، ومسلم (2964)(4/ 2275).
الحُكْمُ بِهِنَّ، وقد كان الناسُ في الجاهليَّةِ لا يُورِّثونَ الصِّغارَ ولا النِّساءَ؛ يقولونَ:"أنتُم لا تَغْزُونَ، ولا تُغْنُونَ".
ورُوِيَ هذا المعنى عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ ومجاهِدِ وقتادةَ (1)، وهذا معنى قوله تعالى:{اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ} ، وتقدَّمَ الكلامُ على هذا في أولِ سورةِ النِّساءِ.
وقولُه تعالى: {وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} "أُنْزِلَتٍ فِي الْيَتِيمَة، تَكونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ، فَيَرغَبُ عَنْهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، وَيَكْرَهُ أنْ يُزَوِّجَهَا غَيرَه فَيَشَرَكُهُ فِي مَالِه، فَيَعْضُلُهَا فَلَا يَتَزَوَّجُهَا وَلَا يُزَوِّجُهَا غَيْرَهُ"؛ رواهُ هشامُ بن عُروةَ، عن أبيه، عن عائشة؛ أخرَجَهُ الشيخانِ (2).
ورُويَ عن عليِّ بنِ أبي طَلْحَةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ، معناهُ، أخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ (3).
وقال عَبيدَةُ السَّلْمانيُّ في قوله: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} ، أيْ:"تَرغَبونَ فيهِنَّ"(4).
وحُمِلَ قولُه: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} على النَّفْيِ؛ أي: لا تَرغَبونَ أن تَنكِحُوهُنَّ؛ وذلك لقِلَّةِ جَمَالِها أو مالِها؛ نحوُ قولِهِ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ} [الأحزاب: 59]، والنَّفيُ في آيةِ البابِ رواهُ ابنُ شهابٍ، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ (5)، وبه قال الحسَن (6)، ومال إليه ابن جريرٍ (7).
ومِن ذلك قوله تعالى: {وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ} ، حيث كانوا
(1)"تفسير الطبري"(7/ 534 - 536)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(4/ 1077).
(2)
"تفسير الطبري"(5128)(7/ 16)، ومسلم (3018)(4/ 2315).
(3)
"تفسير ابن أبي حاتم"(4/ 1077).
(4)
"تفسير الطبري"(7/ 542).
(5)
"تفسير الطبري"(7/ 543)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(4/ 1077).
(6)
"تفسير الطبري"(7/ 542).
(7)
"تفسير الطبري"(7/ 544).