الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمؤمنَ والكافرَ، ولكنْ لا يتَّخِذُ بطانةً إلا أهلَ الحقِّ، ولا يقولُ إلا حقًّا، والمفاصلةُ بينَ المسلمِ والكافرِ والفاسقِ والمنافقِ بكلِّ حالٍ ليس مِن الفقهِ في الدِّين، بل مِن صنعِ أهلِ الغلوِّ والجهلِ.
الاستعانةُ بالكافِرِ في الحربِ:
وأمَّا الاستعانةُ بالكافِرِ في الحربِ؛ إنْ كان في قتالِ مسلِمينَ، فلا يجوزُ، وإنْ كان في قتالِ كفارٍ آخَرِينَ، فعلى حالينِ:
الأُولى: إذا كان النفعُ بتلك الاستعانةِ للكافرينَ أكثرَ مِن المؤمنينَ، وهم رأسٌ، والمسلِمونَ تَبَعٌ لهم، فيتقوَّى بها الكفرُ ويضعُفُ الإسلامُ، فلا يجوزُ بالاتِّفاقِ؛ لأنَّ هذا مظاهرةٌ صريحةٌ لتقويةِ الكفرِ على الإسلامِ.
الثانية: إذا كان النفعُ لأهلِ الإِسلامِ أكثرَ، ونفعُ الكفارِ دونَ ذلك، والمسلِمونَ رأسُ الأمر، والكفارُ لهم تَبَعٌ، ففي المسألةِ خلافٌ:
- ذهَبَ مالكٌ: إلى عدمِ جوازِ الاستعانةِ بالكافرِ في الحربِ؛ لعمومِ الآياتِ في النهيِ عن اتِّخاذِهِمْ بطانةً وأولياءَ، ولِما في "الصحيحِ"، عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنَّ رجلًا مِن المشرِكِينَ كان ذا جرأةٍ ونَجْدَةٍ جاءَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم يومَ بدرٍ يستأذِنُهُ في أنْ يُحارِبَ معه، فقال صلى الله عليه وسلم له:(ارْجِعْ؛ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ)(1).
- وذهَبَ جمهورُ الفقهاءِ: إلى الجوازِ بقيودٍ وشروطٍ؛ وهو قولُ أبي حنيفةَ والشافعيِّ، واختلَفُوا في قَدْرِ هذه الشروطِ ونوعِها، والأصحُّ جوازُ الاستعانةِ في هذه الحالِ بشروطٍ:
(1) أخرجه مسلم (1817)(3/ 1449).
الأولُ: إذا كان في المسلِمينَ عجزٌ عن الاستقلالِ بأنفسِهم في قتالِ كفارٍ مُعتدِينَ أو مُتربِّصِينَ.
الثاني: إذا كان المسلِمُونَ أهلَ حَلٍّ وعَقْدٍ في أمرِ الحَرْبِ، وهم رأسُ الأمر، والكفارُ لهم تَبَعٌ؛ كالأجَرَاءِ عندَ السيِّدِ.
الثالثُ: أنْ يكونَ عددُ الكفارِ قليلًا؛ فلا شَوْكةَ لهم مُنفَرِدِينَ في الحربِ؛ حتى لا يَأتُوا أهلَ الإسلامِ على غِرَّةٍ عندَ النصرِ؛ فيَستَبِيحُوا حُرُماتِهم.
الرابعُ: أنْ يكونَ الكافرُ المستعانُ به مأمونَ الأمر، لا يُعرَفُ بخيانةٍ ولا مخادعةٍ؛ فيُفشِي سرًّا للعدوِّ فيتضرَّرُ المسلِمونَ بذلك.
وأمَّا قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ بدرٍ: (فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ)، فهذا لانتفاءِ بعض تلك الشروطِ؛ فهو واحدٌ لا يُحتاجُ إليه، وفي المسلِمِينَ غُنْيَةٌ وكفايةٌ عنه؛ ويُؤيِّدُ هذا أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد استعانَ بالكفارِ بعدَ ذلك؛ كاستعانتِهِ بيهودِ بني قَيْنُقَاعَ وقد قَسَمَ لهم، واستعانَ بصفوانَ بنِ أُمَيَّةَ في هَوَازِنَ، فلا يُقالُ بنسخِ حديثِ غزوةِ بدرٍ لأخبارِ خَيْبَرَ وحُنَيْنٍ وهي بعدَها.
والأمرُ مقرونٌ بالسياسةِ والحاجةِ، والضرورةُ يَحْكُمُها أهلُ العلمِ بحَسَبِ النوازلِ واختلافِها، وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في أولِ أمرِه يَستَنصِرُ بكافرٍ على كافرٍ؛ لعدمِ وجودِ المسلِمِ المُعِين، كانتصارِهِ بعمِّه أبي طالبٍ على قريشٍ، وكلُجُوءِ الصحابةِ إلى النجاشيِّ وكان نصرانيًّا مِن أذيَّةِ قريشٍ؛ لعدمِ وجودِ مسلم يُعِينُ، وقد استأجَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدليلَ الكافرَ كما في هِجْرَتِه، وهذا تَحْكُمُهُ الحاجةُ والعلمُ والديانةُ، لا الأهواءُ واتِّخاذُ الكافرينَ أولياءَ.
* * *
* قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130].
كان أهلُ الجاهليَّةِ يتبايَعونَ إلى أجَلٍ، فإذا أعسَرَ المشتري، فإنهم يَزيدُونَ في الأجَلِ، ثمَّ يَزيدُونَ في الدَّيْنِ، وَيزيدُونَ في الدَّيْنِ كلَّما زادُوا في الأجَلِ؛ وهذا كما أنَّه عندَهم في البيوع، كذلك يفعَلُونَهُ في القُرُوضِ.
فأمَّا البيوعُ: فمَنْ بايَعَ رجلًا إلى أَجَلٍ بقيمةِ كذا، لَزِمَتْهُ القيمةُ في ذلك الأجَل، وإنْ طلَبَ الإمهالَ، فلا يُزادُ في القيمةِ؛ لأنَّ ذلك رِبًا، فالزِّيادةُ جاءتْ على الثمنِ الباقي في ذِمَّةِ المشتري حتى وإنْ كان أصلُ العقدِ بيعًا؛ لأنَّ القيمةَ تَحَوَّلَتْ إلى دَيْنٍ في الذِّمَّة، فيجوزُ التواطُؤُ على قيمةٍ للأجَلِ عندَ عقدِ البيع، ولا يجوزُ الزيادةُ في الدَّين، كلَّما زادَ الأجَلُ بعدَ العقدِ؛ كما كان يفعل أهلُ الجاهليَّةِ عندَ تبايُعِهم إلى أجَلٍ، فيَخْرُجونَ عن حدِّ المُباحِ عندَ العقدِ إلى الزِّيادةِ عليه؛ كلَّما زادَ الأجَلُ بعدَ العقدِ، فيَضُرُّ بالمُعسِرِ كلَّما تأخَّرَ، وقد أرشَدَ اللهُ في ذلك إلى الإِنْظَارِ وأثابَ عليه.
فقد روى ابنُ جريرٍ وابنُ المُنذر، عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عطاءٍ؛ قال: كانت ثقيفٌ تَدَّايَنُ في بَنِي المُغيرةِ في الجاهليَّة، فإذا حَلَّ الأجَلُ، قالوا: نَزِيدُكم وتُؤخِّرونَ؟ فنزَلَتْ: {لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (1).
لأنَّ الزيادةَ في ذلك إدخالٌ لعقدٍ على عقدٍ آخَرَ، وبيعُ البائعِ الأولِ سلعةً لا يَملِكُها؛ لحيازةِ المشترِي لها، فهو يَملِكُ قيمةً ليستْ مقبوضةً بيدِه ولا قادرًا على تسليمِها لو أرادَ إقراضَها لغيرِ المشترِي لسلعتِه التي
(1)"تفسير الطبري"(6/ 50)، و"تفسير ابن المنذر"(1/ 378).