الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النِّصْفَ الآخَرَ بالتعصيبِ؛ وهو الصحيحُ؛ لأنَّ آيةَ الكَلالةِ تكلَّمَت عن مِيراثِ الفَرْضِ، وميراثُ الأختِ هنا مع البنتِ ليس فَرْضًا، بل تعصيبًا؛ لِمَا روى البخاريُّ، عن سُلَيمَانَ، عن إِبْرَاهِيمَ عن الأسوَدِ؛ قال: "قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم النِّصْفُ لِلابْنَة، وَالنِّصْفُ لِلأخْت، ثُمَّ قَالَ سُلَيمَانُ: قَضَى فِينَا، وَلَمْ يَذْكُرْ: عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم (1).
وكذلك ما رواهُ البخاري، عن هُزَيلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، قَالَ:"سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنْ بنتٍ وَابْنةِ ابْنٍ وَأُختٍ، فَقَالَ: لِلبِنْتِ النِّصْفُ، وَللأُختِ النِّصْفُ، وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ، فَسَيُتَابِعُنِي، فَسُئِلَ ابنُ مَسْعُودٍ، وَأُخبِرَ بِقَوْلِ أبِي مُوسَى، فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْت إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ المُهتَدِينَ! أقضِي فِيهَا لِمَا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِلابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَة ابْنٍ السُّدُسُ تَكمِلَةَ الثُّلُثَيْن، وَمَا بَقِيَ فَلِلأُخْت، فَأَتَينَا أَبَا مُوسَى فَأَخبَرنَاهُ بِقَوْلِ ابنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسأَلُوني مَا دَامَ هَذَا الحَبْرُ فِيكُمْ"(2).
وقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} ، ولم يَذكُرِ اللهُ شَرْطَ عدَمِ الوالد، وهو الأبُ والجَدُّ، فخرَجَ الأبُ بالإجماعِ: أنَّه يَحجُبُ الأخَ، وقد أجمَعَ العُلَماءُ: على أنَّ الجَدَّ لا يَرِثُ مع وجودِ الأَبِ، ولا يحجُبُ الجَدَّ إلا الأبُ، وأجمَعوا على أنَّ الجدَّ الرَّحِميَّ - وهو مَن تَدخُلُ في نِسبَتِهِ إلى الميِّتِ أُنثى - لا يَرِثُ معَ وجودِ أصحابِ الفرضِ والتعصيبِ؛ لأنَّه يُعَدُّ مِن ذوي الأرحامِ.
ميراثُ الجَدِّ مع الإخوة:
وأمَّا الجَدُّ، فهَل يرِثُ معَ الإخوةِ أو لا؟ فاتَّفَقُوا على أنَّ الجَدَّ
(1) أخرجه البخاري (6741)(8/ 152).
(2)
أخرجه البخاري (6736)(8/ 151).
الصحيحَ الذي لا تَدخُلُ في نِسْبَتِهِ إلى الميِّتِ أُنْثى: يحجُبُ الإخوةَ لأمٍّ، واختَلَفُوا في الإخوةِ الأشقاءِ والأخوةِ لأبٍ معَ الجَدِّ الصَّحيحِ على قولَيْنِ في مذهب أحمدَ:
ذهَبَ أبو بكرٍ: إلى عدَمِ توريثِ الإخوةِ - أشقَّاءَ ولأبٍ ولأمٍّ - مع الجَدِّ؛ فأنزَلَ الجَدَّ مَنزِلة الأب، وكان الناسُ على قولِه في حياتِه، ولم يُخالِفهُ أحدٌ مِنَ الصحابةِ في زَمَانِهِ؛ وذلك أنَّ الجَدَّ أبٌ؛ كما قال تعالى:{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38]، وقال:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78]؛ وهو قولُ ابنِ عبَّاسِ وابنِ الزُّبَيرِ؛ قالا: الجدُّ أبٌ.
وقال ابنُ عبَّاسٍ: "يَرِثُني ابنُ ابني دونَ إِخوَتي، ولا أرِثُ أنا ابنَ ابني؟ ! "(1).
وقال به أبو موسى وجماعةٌ مِن الصحابة، وهو مذهب أبي حَنِيفةَ وأحَدُ قولَيْ أحمدَ؛ رجَّحَه ابن تيميَّةَ وغيرُه.
وذهَبَ جماعةٌ: إلى أنَّ الحَدَّ لا يحجُبُ الإخوةَ الأشقَّاءَ والإخوةَ لأبٍ، وإنَّما يحجُبُ الجدُّ الإخوةَ لأمٍّ فقَطْ؛ وذلك أنَّ الإخوةَ يتَساوَونَ معَ الجدِّ في سبَبِ الاستحقاقِ الذي أدْلَوْا به؛ فكِلاهُما اتَّصَلَ بالميْتِ بواسطةِ الأبِ؛ لأن الجدَّ أبُو الأب، والأخَ ابنُ الأبِ.
وصحَّ ذلك عَن عُمرَ وعلي وابنِ مسعودِ وزيدٍ؛ وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وقولٌ لأحمدَ.
واختَلَفوا في مِقدارِ حق الجَدِّ في الميراثِ مع الإخوةِ:
فكان عمرُ يُعطِيهِ السُّدُسَ، ثمَّ قال: إنَّا نخافُ أن نكونَ أَجحَفْنا بالجَدِّ، فأعطاهُ الثُّلُثَ؛ رواهُ محمَّدُ بنُ نصرٍ بسندٍ صحيحٍ عن عَبيدةَ بنِ عَمرٍو (1).
وأخرَجَ سعيدُ بنُ مَنْصورٍ، عن عُبَيدِ بنِ نُضَيْلَةَ؛ أنَّ عُمَرَ وابنَ مسعودٍ كانا يُقاسِمانِ الجَدَّ مع الإخوَةِ ما بينَهُ وبينَ أن يكونَ السُّدُسُ خيرًا له مِن مُقاسَمةِ الإخوةِ (2).
وكان عليٌّ يُعطِيهِ السُّدُسَ بكلِّ حالٍ.
وإنَّما اختلَفَ اجتهادُهم؛ لأنَّه ليس في المسألة نَصٌّ صريحٌ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ في أصلِ حقِّ الإخوةِ معَهُ في الميراثِ.
وقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} ؛ يَعني: الأختَ، فيَرِثُ الأخُ أختَهُ بلا خلافٍ بكامل مالِها، إن لم يَكُنْ لها والِدٌ ولا ولَدٌ، فإنَّهم يَحْجُبُونَ الأخَ، وإن كان للأخ زوجٌ فيَرِثُ الزوجُ نصيبَهُ والباقي للأخِ.
وقوله: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} ، وحُكمُ ما زادَ عن الانثيَيْنِ مِن الأخَواتِ حُكمُ الأخَتَينِ.
وعلى هذه الآيةِ: قاسَ العلَماءُ حُكمَ البِنتَيِنِ على حُكمِ الأُخْتَيْنِ؛ فلهما الثُّلثان، ومِن آيةِ البناتِ في أوَّلِ النِّسَاءِ:{فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] قاسَ العُلَماءُ ما زادَ على الأُختَيْنِ على حُكمِ ما زاد على البِنْتَيْنِ؛ فلهنَّ جميعًا الثُّلثانِ.
وقوله: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} ،
(1) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 249). وينظر: "فتح الباري"(12/ 22).
(2)
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(59)(1/ 66).
وهذا في الأولادِ وأولادِ الأولادِ والإخوةِ؛ ذكورًا إناثًا؛ لِلذَّكَرِ مِثلُ حظِّ الأنثيَيْنِ تعصيبًا لكلِّ طبَقةٍ مع طَبَقتِهِ مِن الجِنسَينِ.
وقولُه تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} دليلٌ على أنَّ الخروجَ عن حُكمِ اللهِ ضلالٌ عن الحقِّ وإنِ استحسَنَهُ الناسُ.
* * *