الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقارب صفوف الرجالِ والنساءِ بالمسجد الحرام:
وكان هذه الآيةِ: أخَذَ بعضُ السلفِ الترخيصَ في اجتماعِ الرجالِ والنساءِ في المسجدِ الحرامِ للعبادةِ بلا مماسَّةٍ، على خلاف الأصلِ المانع مِن الاختِلاطِ.
ومن هذه الآيةِ يُؤحَذ التيسيرُ في مواضعِ الصفوف؛ خاصةً عندَ المشقَّةِ والزحامِ، ولا يَختلفُ العلماء: أن السنةَ أنَّ مواضعَ صفوف الرجالِ أمامَ النساء، وأن التباعدَ هو الأفضلُ، ولكن يُخفَّفُ في ذلك عندَ الزحام في المسجدِ الحرامِ، فقد روى ابنُ أبي حاتم، عن عُتبة بنِ قيس؛ قال:"بكَّة بكَّتْ بَكًّا، الذكَرُ فيها كالأنثى، قيل له: عمّن هذا؟ قال: عن ابنِ عمرَ"(1).
وهو عنه: صحيح.
وروى سعيد عن قتادةَ قولَه: "إنَّ اللهَ بَكَّ به الناسَ جميعًا، فيصَلي النساءُ أمامَ الرجالِ، ولا يُفعَل ذلك في بلد إلا في مكةَ".
وحَكَاه ابن أبي حاتمٍ، عن مجاهدِ وسعيدٍ بنِ جبير وعِكرِمةَ وعمرِو بنِ شعيبٍ ومقاتلِ بنِ حيَّانَ (2).
السترةُ في المسجِدِ الحرامِ:
وبهذا استدَل غيرُ واحدٍ على أن السترةَ في البيتِ الحرامِ يخفَّفُ في حُكْمِها أكثرَ مِن غيرِه، لِما سبَقَ، ولمشقَّةِ ذلك على الناسِ، وهذا ظاهرُ قولِ مَن سبقَ مِن السلفِ، ونصَّ عليه أبو جعفرِ محمدُ بن علي بنِ الحسينِ وابن الزبيرِ وطاوس، ومحمدُ بنُ الحنفيةِ وابن جُرَيج وقال به أحمدُ، فقال "مكةُ ليست كغيرِها؛ كأن مكةَ مخصوصةٌ".
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 708).
(2)
"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 709).
وقال به ابن تيميةَ.
روى ابن أبي حاتمٍ، عن عطاءِ بنِ السائبِ، عن أبي جعفرٍ، محمدِ بنِ عليِّ بنِ الحسينِ: مرَّتِ امرأةٌ بينَ يدي رجلٍ وهو يصلِّي وهي تَطُوفُ بالبيتِ، فدفَعَها، فقال أبو جعفرٍ:"إنها بكةُ؛ يَبُكُّ بعضهم بعضًا"(1).
وروى عبد الرزاقِ، عن ابنِ طاوسٍ، عن أبيهِ، قال:"لا يقطع الصلاةَ بمكةَ شيءٌ، لا يضرك أن تَمرَّ المرأةُ بين يدَيك"(2).
وروى عن أبي عامرٍ، قال:"رأيت ابنَ الزبيرِ يصلي في المسجدِ، فتُريد المرأةُ أن تُجيزَ أمامَه، وهو يُريدُ السجودَ، حتى إذا هي أجَازَت سجَدَ في موضعِ قدَمَيها"(3).
ويعضد هذا دفع المشقةِ، خاصَّةً مع كثرةِ الناسِ رجالًا ونساء في المسجدِ الحرامِ في هذا الزمن.
وأمَّا حديث كَثيرِ بنِ كثيرِ بن المُطلب بنِ أبي وَدَاعَةَ، عن بعضِ أهلِه، عن جدِّه؛ أنّه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي مما يَلِي بابَ بَني سَهمٍ والناسُ يَمُرون بين يدَيْهِ وليس بينَهما سُترةٌ، قال سفيانُ: ليس بينه وبين الكعبةِ سترة (4).
فرواهُ أحمدُ وأبو داودَ، وفي إسنادِه جهالةٌ، وقد أَعَله ابن المَديني، وأشارَ البخاري إلى علَّتِه في الصحيحِ؛ لقد ترجَمَ بابًا فقال:(باب السترةِ بمكة وغيرِها)(5).
* * *
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 708).
(2)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2385)(2/ 35).
(3)
أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"(2386)(2/ 35).
(4)
أخرجه أحمد (27241)(6/ 399)، وأبو داود (2016)(2/ 211).
(5)
"صحيح البخاري"(1/ 106).