الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقولُ الثعلبيِّ: "إنَّه لم يَقُلْ بهذا التأويلِ غيرُ الشافعيِّ"(1)، فِيه نظرٌ؛ فقد رواهُ الدارقطنيُّ، عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ؛ قال:"ذلك أَدْنى ألَّا يكثُرَ مَن تَعُولُونَه"(2).
وربَّما أخَذَهُ الشافعيُّ مِن قولِهِ صلى الله عليه وسلم؛ كما في "الصحيحَيْنِ": (وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ)(3).
ولكنَّ النصوصَ والأثرَ تُضعِّفُ القولَ بهذا التأويلِ في هذه الآيةِ وفي هذا السياقِ؛ فلم يَثْبُتْ في تركِ الأولادِ وتكثيرِهم خشيةَ الفقرِ والنفقةِ شيءٌ.
حكمُ تعدُّدِ الزوجاتِ:
وتعدُّدُ الأزواجِ للقادرِ العادلِ شِرْعَةٌ نبويَّةٌ وفِطْرةٌ صحيحةٌ؛ فقد تزوَّجَ إبراهيمُ اثنتَيْن، وتزوَّجَ داودُ ألفَ امرأةٍ؛ كما جاء في التوراةِ وفي بعضِ حكاياتِ بني إسرائيلَ، وتزوَّج سليمانُ مِئَةَ زوجةٍ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ (4)، وجمَعَ خيرُ الناسِ محمدٌ صلى الله عليه وسلم إحدى عَشْرةَ، وقيل: تسعَ نِسْوةٍ، والروايتانِ في "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ أنسٍ (5).
وأكثرُ الصحابةِ تزوَّجُوا أكثَرَ مِن واحدةٍ، منهم مَن جمَعَهنَّ، ومنهم مَن تزوَّجَ وفارَقَ، وقد روى البخاريُّ، عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ؛ قال: قال لي ابنُ عبَّاسٍ: "هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لا، قال: فَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً"(6).
وهو شِرْعَةٌ إلهيَّةٌ لحكمةٍ عظيمةٍ، بها يتحقَّقُ دفعُ مفاسدَ عظيمةٍ مِن
(1)"تفسير الثعلبي: الكشف والبيان، عن تفسير القرآن"(3/ 248).
(2)
أخرجه الدارقطني في "سننه"(3851)(4/ 487).
(3)
أخرجه البخاري (1427)(2/ 112) ، ومسلم (1034)(2/ 717).
(4)
أخرجه البخاري (2819)(4/ 22) ، ومسلم (1654)(3/ 1275).
(5)
أخرجه البخاري (268)(1/ 62).
(6)
أخرجه البخاري (5069)(7/ 3).
النِّساءِ والرِّجال، وإنْ غابتْ حكمتُها عندَ بعضِ الناس؛ فلِقصورِها ومُكابَرتِها عن إدراكِ مكامنِ النفوسِ وبواطنِ الغرائزِ.
وأكثرُ مَن يُنكِرُ شريعةَ اللهِ في التعدُّدِ مِن الرجالِ اليومَ هم ممَّن هان الزِّنى في قلبِه؛ فاللهُ يُنظِّمُ ما تفعلُهُ النفوسُ المريضةُ في السرِّ ليكونَ في العَلانِيَة، ويدفَعُ به العَنَتَ والمشقَّةَ التي تجدُها النفوسُ السويَّةُ، وبه تنتظمُ الفِطْرةُ، ويُدفَعُ الحرامُ، وتتحصَّنُ الأعراضُ، وقد قُلْتُ لأحدِ الفلاسفةِ الغربيِّينَ:"تقييدُ تعدُّدِ الزوجاتِ بأربعٍ خيرٌ ممَّا تُبيحُونَهُ مِن الزِّنى بالعشيقاتِ بلا عددٍ؛ فالإسلامُ أمَرَ بإعلانِ ما تُخْفُونَهُ وضبَطَه وحَدَّهُ حتى لا تضيعَ الحقوقُ، وتحريمُ التعدُّدِ والزِّنى بالعشيقاتِ جميعًا اختلالٌ لفِطْرةِ المجتمع، وتكليفٌ لها بما لا تُطِيقُ، وإباحةُ الزِّنى وتحريمُ التعدُّدِ ظُلْمٌ في الدِّينِ وإهدارٌ لحقوقِ الزوجينِ".
وأمَّا كراهةُ المرأةِ أنْ يُعدِّدَ عليها زوجُها، فذاك ليس كُرْهًا للشريعةِ؛ ولكنَّه كُرْهٌ لأنْ تُشارَكَ هي في نصيبِها مِن زوجِها، وهذا مِن أبوابِ الغَيْرَةِ والشُّحِّ، لا مِن أبوابِ كُرْهِ التشريعِ؛ ولذا لا تجدُ المرأةُ المسلمةً حَرَجًا مِن تعدُّدِ غيرِ زوجِها، وتَكرَهُهُ في زوجِها لحَظِّ نفسِها.
واتَّفَقَ العلماءُ أنَّ الحُرَّ يتزوَّجُ أربعَ نسوةٍ، واختلَفُوا في العبد، وهما روايتانِ عن مالكٍ: قيل: إنَّه كالحُرِّ؛ وهذا قولُ أهلِ الظاهر، وقال الجمهورُ: يتزوَّجُ اثنتَيْن، وهو الأصحُّ؛ فهو قولُ عمرَ وعليٍّ وابنِ عوفٍ، ولا أعلَمُ مَن خالَفَهم مِن الصحابةِ.
* * *