الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كظُلْمِ الإنسانِ المسلِمِ للبهيمةِ بقتلِها صَبْرًا، أو حرقِها وهي حيةٌ وتعذيبِها، يُعاقَبُ على فَعْلَتِهِ تلك يوم القيامة، ولكنْ لا يَلزَمْ مِن عقوبتِه انتفاعُ البهيمةِ بذلك يومَ القيامةِ بدخولِ الجنةِ والنعيمِ فيها، والكافرُ مِن بابِ أَولى.
وإذا كان للمسلمِ على الكافرِ مَظلِمةٌ دنيويَّةٌ، فتُؤخَذُ مِن سيِّئاتِ المسلمِ وتُوضَعُ على الكَافرِ؛ لأنَّه لا حسناتِ عندَه تنفعُ المؤمنَ في آخِرتِه.
* * *
* قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَاعَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران: 118].
البطانة هي أقربُ الأشياءِ إلى الإنسان، وأصلُ التسميةِ تُطلَقُ لِمَا وَلِيَ بَطْنَهُ مِن ثيابِه؛ فاللِّباسُ على نوعَيْنِ: ظاهرٍ، وباطنٍ، واللباسُ الباطنُ يُسمَّى بِطَانةً؛ لأنَّه ممَّا يَلِي بَطْنَه.
وبطانةُ الرجلِ هم خاصَّةُ أهلِهِ الذين يَطَّلِعُونَ على سِرِّه وخَوَاصِّ أمْرِه؛ مِن زوجةٍ، وولدٍ، وأخٍ، وصاحِبٍ مُلازِمٍ، وأمينِ سرٍّ ومالٍ وعهدٍ.
اتخاذُ البِطَانةِ:
وقد نَهَى الله عمومَ المؤمنينَ عن اتِّخاذِ مَن عادَى اللهَ بِطَانةً، سواءٌ كان ممَّن يُظهِرُ الإِسلامَ مِن المنافِقينَ وأهلِ الظلمِ والفُجُورِ والفِسْقِ والبِدْعَةِ، أو مِن الكافِرينَ الظاهِرينَ، وكلُّ ذلك داخلٌ في الآية، وقد ذكَرَ المُفسِّرونَ مِن السلفِ جميعَ ذلك في معنَى البطانةِ في هذه الآيةِ.
قال ابنُ عباسٍ ومجاهدٌ وقتادةُ والحَسَنُ والسُّدِّيُّ وغيرُهم: هم المنافِقونَ.
ويُروى عن أنسٍ: أنَّهم المُشرِكونَ.
أخرَجَهُ عنهم ابنُ جريرٍ وابنُ أبي حاتمٍ (1).
وقال ابنُ عباسٍ ومحمدُ بنُ إسحاقَ: هم اليهودُ.
رواهُ عن ابنِ عباسٍ: ابنُ جريرٍ (2)، وعن ابنِ إسحاقَ: ابنُ المنذرِ (3).
وكلُّ ذلك مِن تنوُّعِ التفسيرِ، لا مِن تعارُضِه.
ولا يدخُلُ في معنى البطانةِ مؤاجَرةُ الكافرِ ومعاقدتُهُ في البيعِ والشراءِ؛ فهذا لا أثَرَ فيه على المسلِمِينَ، ولا عُلُوَّ للكافرِ فيه على المؤمِنِينَ، ولا ضرَرَ عليهم منه، وهو مباحٌ بلا خلافٍ، وقد مات النبيُّ صلى الله عليه وسلم ودِرْعُهُ مرهونةً عندَ يهوديٍّ.
وإنَّما البِطَانة هي اتِّخاذُهُ واليًا أو مستشارًا أو خازنًا للمالِ، وكلَّما كانتِ الولايةُ والاستشارةُ والخزانةُ أكبَرَ، كان أثرُها أشَدَّ وتحريمُها أعظَمَ.
ويدخُلُ في البطانةِ الكاتبُ، وأشَدُّ أنواعِهِ: كاتبُ الأسرارِ للحاكمِ والأميرِ؛ روى البيهقيُّ، عن عِياضٍ الأَشعَرِيِّ؛ أنَّ أبا موسى رضي الله عنه وفَدَ إلى عمرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه، ومعه كاتبٌ نصرانيٌّ، فأَعْجَبَ عمرَ رضي الله عنه ما رأَى مِن حِفْظِه، فقال: قُلْ لكاتبِكَ يقرأُ لنا كتابًا، قال: إنَّه نصرانيٌّ لا يدخُلُ المسجِدَ، فانْتَهَرَهُ عمرُ رضي الله عنه، وهَمَّ به، وقال: لا تُكرِمُوهُمْ إذْ أهانَهُمُ الله، ولا تُدْنُوهم إذْ أَقْصَاهُمُ اللهُ، ولا تأتَمِنُوهم إذْ خوَّنَهم الله (4).
والعِلَّةُ في ذلك: ألَّا يَخُونَ أمانتَهُ فيَعظُمَ أثرُ الضررِ به، وكذلك
(1)"تفسير الطبري"(5/ 709، 711)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 742، 743).
(2)
"تفسير الطبري"(5/ 709).
(3)
"تفسير ابن المنذر"(1/ 345).
(4)
أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 127).