الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأحوالِهم وجَرْحِهم وتعديلِهم -: مِن فضل اللهِ ورحمتِه؛ فلولاهُ لم يكنْ للصادقِ فضلٌ على الكاذبِ، ولكان أمرُ الأُمَّةِ في دِينِها ودُنياها في فتنةٍ وشرٍّ.
والعالِمُ يَرُدُّ مُتشابِهَ الأخبارِ إلى مُحْكَمِها، وهي في أخبارِ الوحي أشَدُّ احتياطًا واحترازًا، فلا يُعارِضُ بعضَها ببعضٍ، ولا يَضرِبُ بعضَها ببعضٍ، فيَجمَعُ بينَها، وإنْ تحيَّرَ، سلَّمَ العلمَ إلى عالِمِه، ولم يَجسُرْ بهواهُ؛ كما قال تعالى:{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7].
وفي "المُسنَدِ"؛ مِن حديثِ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه؛ قال: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْقَدَر، قَالَ: وَكَأَنَّمَا تَفَقَّأَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الْغَضَب، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ: (مَا لَكُمْ تَضْرِبُونَ كِتَابَ اللهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ ! بِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ)(1).
وفي لفظٍ آخَرَ في "المسنَدِ"؛ قال: (مَهْلًا يَا قَوْمُ! بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ؛ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ، فَاعْمَلُوا بِه، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ، فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ)(2).
التحدثُ بكلِّ مسموعٍ:
وفي إطلاقِ اللِّسانِ بالأخبارِ آثامٌ لا تُحصى؛ لفتنةِ الناسِ بعضِهِمْ ببعضٍ، وبثِّ الخوفِ أو الجُبْنِ أو التسبُّبِ في رُكُونِهِمْ إلى الدُّنيا والافتتانِ بها؛ ففي "السُّننِ"، عن أبي هريرةَ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قال:(كَفَى بِالمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)(3)، وأخرَجَهُ مسلمٌ في مقدِّمةِ "صحيحِه"(4).
(1) أخرجه أحمد (6668)(2/ 178).
(2)
أخرجه أحمد (6702)(2/ 181).
(3)
أخرجه أبو داود (4992)(4/ 298).
(4)
"صحيح مسلم" - المقدمة (1/ 10).
وفي هذه الآيةِ: إشارةٌ إلى أنَّ المُنافِقَ همُّهُ سلامةُ نفسِهِ ومالِهِ وأهلِه، ولا يَعْنِيهِ مِن الأخبارِ ما يُضِرُّ بالأُمَّةِ ويُفسِدُها؛ فإنَّ الآيةَ في سياقِ الأخبارِ المتعلِّقةِ بمصالِحِ الأُمَّةِ ومَضَارِّها، فمِن علامةِ المؤمنِ: اهتمامُهُ بأمرِ أمَّتِهِ ولو تضرَّرَ في نفسِه لأجلِها، ومِن علامةِ المنافِقِ: اهتمامُهُ بأمرِ نفسِهِ ولو تضرَّرَتْ أُمَّتُهُ لأجلِها.
والخطابُ في هذه الآيةِ: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ} لأهلِ الإيمانِ كما هو ظاهرٌ؛ قال ابنُ عبَّاسٍ: "فانقطَعَ الكلامُ؛ فهو في أولِ الآيةِ يُخبِرُ عن المُنافِقينَ"؛ رواهُ عليُّ بنُ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ؛ أخرَجَهُ ابنُ أبي حاتمٍ (1).
وقولُه: {لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} ؛ يعني بالقليلِ: أهلَ الإيمانِ؛ كما رواهُ عليٌّ، عن ابنِ عبَّاسٍ (2).
* * *
* قال تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} [النساء: 84].
والخِطَابُ في ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فالإنسانُ مرهونٌ بعملِه مكلَّفٌ به، وهذا إنْ كان للنبيِّ فهو لغيرِه مِن بابِ أَوْلى:{لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ} .
وقِولُه: {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} ؛ يعني: عِظْهُم وحُضَّهُم على اتِّباعِ أمرِ اللهِ واجتنابِ نَهْيِه.
(1)"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 1017).
(2)
"تفسير الطبري"(7/ 263)، و"تفسير ابن المنذر"(2/ 808)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(3/ 1017).