الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُفرَضُ عليه الديةُ كالمؤمِن، فحُكْمُ الديةِ عامٌّ، ولا بُقتَلُ بالخطأِ الذي لا عداوةَ فيه ولا شُبْهةَ في القصدِ.
كفَّارةُ قتلِ الخطأ:
ثمَّ ذكَرَ اللهُ كفَّارةَ القَتْلِ الخطأِ على نوعَيْنِ:
الأولُ: حقٌّ للهِ، وهو إعتاقُ رقَبةٍ مؤمِنةٍ، وإنَّما قَدَّمَ الإعتاقَ على الدِّيَةِ، تغليبًا لجانبِ حقِّ اللهِ الذي لا يُسقِطُهُ إلا الحجزُ؛ فالديةُ يُسقِطُها أهلُ القتيل، ولكنْ لا يُسقِطُونَ تحريرَ الرَّقَبة، ولأنَّ حَقَّ اللهِ في القتلِ أظهَرُ وأَقْوَى مِن حقِّ أهلِ القتيل، فصاحِبُ الحقِّ لا يَملِكُ إسقاطَ حقِّه؛ لموتِه، بخلافِ بقيَّةِ الجِرَاحاتِ وظُلْمِ الأموالِ؛ فالحقُّ للإنسانِ فيها.
وَيَتْبَعُ تحريرَ الرقبةِ بَدَلُها عندَ عدَمِ وجودِها، وهو صيامُ شهرَيْنِ مُتتابعَيْنِ.
ولهذا أوْجَبَ تحريرَ الرفبةِ المؤمِنةِ في كلِّ مقتولٍ خطأً مِن المعصومِينَ؛ مؤمنًا كان أو كافرًا معاهدًا، حتى في قَتلِ مَن لا وارِثَ له، أو مَن لا وارِثَ له إلَّا كافرٌ محارِبٌ، وأمَّا الديةُ، فلم يُوجِبْها اللهُ إلَّا لأهلِ المقتولِ المؤمِنِينَ أو المعاهَدِينَ.
الحكمةُ من الدية، والفرقُ بين الذكر والأنثى:
الثاني: حقٌّ لأهلِ المقتول، لا للمقتولِ نفسِه، وهي الدِّيَةُ.
والدِّيةُ جَبْرٌ عن منفعةِ الميِّتِ لأهلِه، حيثُ تسبَّبَ القاتِلُ في فَقْدِه، ولمَّا اختَلَفَتْ منفعةُ الميِّتِ الذَّكَرِ عنِ الميتِ الأُنثى لأهلِهما، كانتْ ديةُ المرأةِ على النِّصْفِ مِن ديةِ الرجُلِ، مع أنَّهما يَتساوَيانِ في النَّفْسِ وقيمتِها عندَ القِصَاصِ، فيُقتَل الرجلُ بالأنثى، والعكسُ، بل لو تواطَأَ عَشَرةُ رجالٍ على قَتْلِ طفلةٍ في مَهْدِها، قُتِلُوا بها؛ فالديةُ ليستْ قِيمَةً للنَّفْسِ؛ وبهدا يُعلَمُ بطلانُ ما يَذكُرُهُ أصحابُ المدارسِ العقلانيةِ مِن ردِّ عدمِ
تماثُلِ ديةِ الأُنثى والذَّكَرِ؛ فهذا لجهلٍ بالإسلامِ؛ فالديةُ عِوَضٌ لأهلِ القتيلِ؛ لأنَّ للرجلِ منفعةً ماليةً مفقودةً بفَقْدِهِ؛ لأنَّ اللهَ فَرَضَ على الرجلِ النففةَ والسُّكْنى والكِسْوةَ لِمَن وَليَهُ مِن النِّساء، سواءٌ كانتْ زوجةً أو أُمًّا، أو بنتًا أو أختًا، ولا يحبُ على واحدةٍ منهنَّ في الإسلامِ التكسُّبُ، بل لو كانتِ المرأةُ غنيَّةً، لا يَحِبْ عليها أنْ تُنفِقَ على زوجِها الفقيرِ القادرِ على التكسُّب، بل لا يجبُ عليها أن تُنفِقَ على نفسِها كذلك، بل يجبُ على وليِّها، ما لم تَطِبْ نفسُها بذلك، ولو كانَتْ قادرةً على العملِ، لم يجبْ عليها التكسُّب عندَ فقرِ زوجِها، ويجبُ على الحاكمِ أن يُنفِقَ على المرأةِ التي لا عائِلَ لها ولو كانَتْ قادِرةً على العملِ إنْ كانَتْ لا تُرِيدُ العملَ راغبةً.
فاللهُ أسقَطَ عنها جانبًا في الأموالِ، وأسقَطَ مِن أحكامِها ما يُؤثِّرُ في هذا الانتظامِ؛ كالميراثِ؛ فلها نِصْفُ ميراثِ الذَّكَرِ؛ لأنَّ تكاليفَ الذَّكَرِ الماليةَ أعظَمُ، وأسقَطَ نِصْفَ دِيَتِها؛ لأن أثَرَها الماليَّ على أهلِها أضعَفُ، وهذا التبايُن تبايُن في منافعِ الأموالِ، لا تَساوِي النفوسِ؛ فلأولياءِ الجنسَيْنِ طلَبُ القِصَاصِ مِن القاتلِ العَمْدِ، ويُقتَلُ، ولا فَرْقَ بينَهما.
وإنَّما يُؤتَى بعضُ الجَهَلَةِ بالنَّظَرِ إلى طرَفٍ مِن أحكامِ الإسلامِ التي لا تُفهَمُ إلَّا بفَهْمِ أبوابِها؛ فالديةُ تَتَّصِلُ بأبوابِ الأموالِ ومنظومتِها، ولا تُفهَمُ إلا بفَهْمِها وفهمِ جِهاتِها المتَّصِلةِ بها؛ فهي ليسَت عِوَضًا عنِ النَّفْسِ، ولا تتَّصِلُ بحقِّ المقتولِ، بل بأهلِه، فاللهُ جعَلَ النفوسَ متساويةً في التعظيمِ؛ كما في قولِه:{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، وفي قولِه: