الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تجامين عن مس الدهان وطالما
…
عصمن عن الحاء كفاً ومعصما
وكم من جليد لا يخامره الهوى
…
فشن عليه الوجد حتى تتيما
أهان لهن النفس وهي كريمة
…
ألقى إليهن الحديث المكتما
تسفهت لما أن مررت بدارها
…
وعوجلت دون الحلم أن أتحلما
ويوم وقفنا للوداع وكلنا
…
بعد مطيع الشوق من كان أحزما
نظرت بقلب لا يعنف في الهوى
…
وعين متى استمطرتها قطرت دما
قال مؤلف"السلافة": وقلت أنا ناسجاً على هذا المنوال:
أبرزتها بطحاء مكة بعدما
…
أصات النادي بالصلاة فاعتما
فضوء أكناف الحجون ضياؤها
…
وأشرق بين المأزمين وزمزما
ولما سرت الراكب نفحة طيبها
…
تغنى بها حاديهم وترنما
وشام محياها الحجيج على السرى
…
فيمم مغناها ولبى أحرم
أناة هي الشمس المنيرة في الضحى
…
ولكنها تبدو إذا الليل أظلم
تعلم منها الغصن عطفة قدها
…
وما كان أحرى الغصن أن يتعلما
وأسفر عنها الصبح لما تلثمت
…
ولو أسفرت يوماً للصبح تلثما
إذا ما رنت لحظاً وماست تأوداً
…
فما ظبية الجرعا وما بانة الحمى
وكم حللت بالقصد قتل أخي هوى
…
وكان يرى قبل الصدود محرما
وظنت فؤادي خالياً فرمت به
…
هوى عاد دائي منه أدهى وأعظما
لو أنها أبقت علي أطقته
…
ولكنها لم تبق لحما ولا دما
وقال وأنشدني الشيخ أحمد الجوهري لنفسه:
فشاهدت لو أبصر البدر وجهها
…
لكان به مضنى ولوعاً ومغرماً
ولو عرضت ركب الحجيج تعده
…
للبى لما يدعو هواها وأحرما
وعرف بالكثبان من عرصاتها
…
وقال منى من دارها حين خيما
فلا تعذلوا في حب ظمياء إنها
…
لها مبسم يشفي الفؤاد من الظما
أعذب من صوب الغمامة مرشفاً
…
وأضوأ من لمع الرق تبسما
وأجمل من ليلى وسلمى وعزة
…
وسعدى ولبنى والرباب وكلثما
وكم ملك في قومه كان قاهراً
…
فأضحى ذليلاً في هواها متيما
يدين لما تهوى مطيعاً لأمرها
…
وإن ظلمته لم يكن متظلما
فظل الملوك الصيد تعثر بالثرى
…
إذا قاربوا أو شاهدوا ذلك الحمى
وقال: وأما بيت أبي دهبل المذيل عليه فهو، من قصيدة له يصف فيها ناقته وهي قوله:
ألا علق القلب المتيم كلثما
…
لجاجا فلم يلزم من الحب ملزما
خرجت بها من بطن مكة بعدما
…
أصات المنادي بالصلاة فاعتما
فما نام من داع ولا ارتد سامر
…
من الحي حتى جاوزت بي يلملمها
مرت ببطن البث تهوي كأنما
…
تبادر بالإدلاج نهباً مقسما
وجازت على البزواء والليل كاسر
…
جناحين بالبزواء ورداً وأدهما
فما ذر الشمس حتى تبينت
…
بعليب نخلاً مشرفاً ومخيما
ومرت على أشطان دوقه بالضحى
…
فما حدرت للماء عيناً ولا فما
ِوما شربت حتى ثنيت زمامها=وخفت عليها أن تخر وتكلما
فقلت لها قد نلت غير ذميمة
…
وأصبح وادي البرك مديما
شعر
ابن النحاس وممن نقل عنه صاحب "السلافة"الشيخ فتح الله ابن النحاس المدني قال في حقه: هو ناظم قلائد العقيان، الشاعر الساحر والباهر بما هو ألذ من الغمض في مقلة الساهر فهو صانع إبريز القريض، وغن عرف ابن النحاس، ومسترق حر الكلام فما أشعار عبد بني الحسحاس، والمبرز في الأدب على من درج ودب، وحسبك من لقبه الأدباء بمحك الأدب، ولو لم تكن له الإحائية التي سارت بها الركبان، وطارت شهرتها بخوافي النسور، وقوادم العقبان لكفته دلالة على أناقة قدره، وإشراق شمسه في سماء البلاغة وبدره، وله ديوان شعر لم أره، ولكنني سمعت خبره وقصيدته المشار إليها هي قوله في الأمير محمد بن فروخ أمير حاج الشام:
بات ساجي الطرف والشوق يلح
…
والدجى إن يمض جنح جاء جنح
فكان الشرق باب للدجى
…
ماله خوف هجوم الصبح فتح
يقدح النجم لعيني شرراً
…
ولزند الشوق في الأحشاء قدح
لا تسل عن حال أربا الهوى
…
يا ابن ودي ما لهذا المال شرح
لست أشكو حال جفني والكرى
…
إن يكن بيني وبين النوم صلح
إنما حلي للمحبين البكا
…
أي فضل لسحاب لا يسح
ما نداماي وأيام الصبا
…
هل لنا رجع وهل للعمر فسح
بصحتك المزن يا دار اللوى
…
كان لي فيها خلاعات وشطح
حيث لي شغل بأجفان الظبا
…
ولقلبي مرهم منها وجرح
كل عيش ينقضي ما لم يكن
…
مع مليح ما لذاك العيش ملح
وبذات الطلح لي من عالج
…
وقفة أذكرها ما اخضل طلح
حيث منا الركب بالركب التقى
…
وقضى حاجاته الشوق الملح
لا أذم العيس للعيس يد
…
في تلاقينا وللأسفار نجح
قربت منا فماً نحو فمً
…
فاعتنقنا والتقى كشح وكشح
تزودت شذاً من مرشفٍ
…
بفمي منه إلى ذا اليوم نفح
وتعاهدنا على كأس اللمى
…
وإنني ما دمت حياً لست أصحو
يا ترى هل عند من قد رحلوا
…
أن عيشي بعدهم كد وكدح
كم أداوي القلب قلت حيلتي
…
كلما داويت جرحاً سال جرح
وكم أدعو ومالي سامع
…
فكأني كلما أدعو أبح
حسنوا القول وقالوا غربة
…
إنما الغربة للأحرار ذبح
أشتكي برح الجوا إن لم يرى
…
كابن فروخ لم يشك برح
أين من كان لعاب سيفه
…
ما له إلا بأعلى القرن مسح
فاذا قيل ابن الفروخ أتى
…
سقطوا لو أن ذاك القول مزح
كل من أسره من رعيه
…
نومه اليوم بظل السيف سدح
بأبي أفدي أميري إنه
…
صادق القول نقي العرض سمح
كل ما قد قيل في ترجيحه
…
في الندى أو في الوغى فهو الأصح
كم طروس بالقنا يكتبها
…
وسطور بلسان السيف يمحو
يا عروس السيف والخيل له
…
من قراع الخيل والأبطال صدح
يا رجال الخيل والحرب لها
…
في حياض الموت بالأبطال سبح
خط سيف الجود في حظي الذي
…
هو كالدهر يمني ويشح
أنقذني واتخذني بلبلاً
…
صدح بين يدي علياك مدح
طالع الأدبار مالي وله
…
إن يكن من كوكب الإقبال لمح
كل بيت في العلا أنحته
…
من نضيد الدر والياقوت صرح
ناطق عني بالفضل الذي
…
إن تبارى فله في الفوز قدح
بقواف كسقيط الطل أو
…
إنها من وجنات الغيد رشح
خلقت طوع يدي كيما ترى
…
إنها كمن يتبعها وهي تشح
وله أيضاً:
رأى اللوم من كل الجهات فراعه
…
فلا تنكروا إعراضه وامتناعهُ
ولا تسألوه عن فؤادي فإنني
…
علمت يقيناً أنه قد أضاعه
له الله ظبياً كل شييء يروعه
…
فيا ليت لي شيئاً يزيل ارتياعه
ويا ليته لو كان من أول الهوى
…
أطاع عزولي واكتفينا نزاعه
فما راشنا بالسوء إلا لسانه
…
وما خرب الدنيا سوى ما أشاعه
أشاع الذي أغرى بنا ألسن العدى
…
وطير عن وجه التغالي قناعه
وأصبح من أهوى على فيه قفلة
…
يكتم خوف الشامتين انفجاعه
وآلى على أن لا أقيم بأرضه
…
وأحرمني يوم الفراق وداعه
فرحت وسيري خطوة والتفاتة
…
إلى فائت منه أرجي ارتجاعه
ذرعت الفلا شرقاً وغرباً لأجله
…
وصيرت أخفاف المطي ذراعه
فلم يبق أرض ما وطئت بساطها
…
ولم يبق بحر ما رفعت شراعه
كأني ضمير كنت في خاطر النوي
…
أحاط به واشي السرى فأذاعه
أخلاي من دار الهوى زارها الحيا
…
ومد إليها صالح الغيث باعه
بعيشكم عوجوا على من أضاعني
…
وحيوه عني ثم حيوا رباعه
وقولوا فلان أوحشتنا نكاته
…
وما كان أحلى شعره وابتداعه
فتى كان كالبنيان حولك واقفاً
…
فليتك بالحسنى طلبت اندفاعه
أبحت العدى سمعاً فلا كانت العدى
…
متى وجدوا خرقاً أحبوا اتساعه
فكنت كذى عبد هو الرجل والعصى
…
تجنى بلا ذنب عليه فباعه
لكل هوى واش وإن ضعضع الهوى
…
فلا تلم الواشي ولم من أضاعه
إذ كنت تسقى الشهد ممن تحبه
…
فدع كل ذي عذل يبيع فقاعه
وقولوا رأينا من حمدت افتراقه
…
ولم ترنا من لم تذم اجتماعه
وإني الذي كالسيف حداً وجوهراً
…
لمن رام يبلو ضره وانتفاعه
وما كنتما إلا يراع وكاتبا
…
فملا وألقى في التراب يراعه
فإن أطرق الغضبان أوخط في الثرى
…
فقولوا فقد ألقى إليكم سماعه
وقال مضمناً:
لا يدعي بدر لوجهك نسبة
…
فأخاف أن يسود وجه المدعي
والشمس لو علمت بأنك دونها
…
هبطت إليك من المحل الأرفع
وله يمدح بعض مكارم عصره:
ألام انتظاري للوصال ولا وصل
…
وحتام لا تدنو إلي ولا أسلو
وبين ضلوعي زفرة لو تبوأت
…
فؤادك ما أيقنت أن الهوى سهل
جميلاً بصب زاده النأي صبوة
…
ورفقا بقلب مسه بعدك الخبل
إذا طرفت منك العيون بنظرة
…
فأيسر شيءٍ عند عاشقك القتلى
أمنعمة بالزورة الظبية التي
…
بخلخاله حلم وفي قرطها جهل
ومن كلما جردتها من ثيابها
…
كساها ثيابا غيرها الفاحم الجثل
سقى المزن أقواماً بعساء رامة
…
لقد عطلت بيني وبينهم السبل
وحيَّا زمانا كلما جئت طارقاً
…
سليمى أجابتني إلى وصلها جمل
تود ولا أصبو وتوفي ولا أفي
…
وأنأى ولا تنأى وأسلو ولا تسلو
إذا الغصن غض والشباب بمائه
…
وجيد الرضى من كل ناتئة عطل
ومن خشية النار التي فوق وجنتي
…
تقاصر إن يدنو بعارض النمل
بروجي من ودعتها ومدامعي
…
كسمط جمان جن من سمطه الحبل
كأن قلاص المالكية نوخت
…
على مدمعي فارفض من مدره الأئل
وما ضربت تلك الخيام بعالج
…
لقصد سوى أن لا يصاحبني العقل
وجدب كأن العيس فيه إذا خطت
…
تسابق ظلاً أو يسابقها الظل
يسمن بنا الانضاء حتى كأننا
…
جياد رحى أو أرضنا معنا قفل
إذا عرضت لي من بلاد مذلة
…
فأيسر شيء عندي الوخد والرحل
وليس اعتساف البيد عن مربع الأذى
…
يذل ولكن المقام هو الذل
وما أنا ممن إن جهلنا خلاله
…
أقامت به القامات والأعين النجل
وكل رياض جئتها لي مرتع
…
وكل أناس أكرموني هم الأصل
ولي باعتمادي أبلج الوجه راشد
…
عن الشغل في أثار هذا الورى شغل
همام رست للمجد فيه جنب عزمه
…
جبال جبال المجد في جنبها سهل
وليث هياج ما عيين جفونه
…
من الكحل إلا والعجاج لها كحل
يقوم مقام الجيش إن غاب جيشه
…
ويغمد حد النصل إن غمد النصل
زكت شرفاً أعراقه وفروعه
…
وطابت لنا منه الفضائل والفعل
إذا لم يكن فعل الأمير كأصله
…
كريماً فما تغني المناسب والأصل
من النفر الغر الذين تألفوا
…
مدى الدهر أن يأتي ديارهم البخل
كرام إذا راموا فطام وليدهم
…
من الثدي خطو البخل فانفطم الطفل
ليوث إذا صابوا غيوث إذا هموا
…
بحور إذا جادوا السيوف إذا سلوا
وإن خطبوا مجدا فإن سيوفهم
…
مهور وأطوار القنا لهم أرسل
إذا قفلوا تنأى العلى حيث ما نأوا
…
وإن نزلوا حل الندى حيثما حلوا
توالت على كسب الثناء طباعهم
…
وأعراضهم حرم وأموالهم حل
أمولاي إن تمضي فغيض سما العدا
…
وقامت قناة الدين وانتشر الفضل
وإن يك قد أفضى الزمان بسالم
…
فإنك روض الوبل إن ذهب الوبل
إليك ارتمت فينا قلاص كأنها
…
قسي بأسفار كأنهم نبل
وما زجر الأنضاء سوطي وإنما
…
إليك بلا سوق تساوقت الإبل
وكل لحاظ لست إنسانها قذى
…
وكل بلاد لست صيبها محل
وقال صاحب "السلافة" قد لمحت في أول الترجمة بقولي فما أشعار عبد بني الحسحاس لقوله:
أشعار عبد بني الحسحاس قمن له
…
يوم الفخار مقام الأصل والورق
إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً
…
أو أسود الخلق إني أبيض الخلق
وعبد بني الحساس هذا: هو سحيم، وكان عبدا اسود نوبيا، مطبوعا في الشعر، اشتراه بنو الحساس، فنسب إليهم، وهم بطن من بني أسد، وقد أدرك النبي، ويقال: انه تمثل من شعره بكلمة غير موزونة، وهي: كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا. فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله إنما قال الشاعر: كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً، فجعل لا يطبق فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله، وما علمناه الشعر وما ينبغي له.
ويقال: أنه أنشد عمر رضي الله عنه قوله:
عميرة ودع إن تجهزت غادياً
…
كفا الشيب والإسلام للمرء ناهيا
فقال له عمر رضي الله عنه: لو قلت شعرك مثل هذا لأعطيتك عليه.
وعن محمد بن سلام قال: كان عبد بني الحسحاس حلو الشعر رقيق الحواشي وفي سواده يقول:
وما ضر أثوابي سواي وإنني
…
لكالمسك لا يسلو عن المسك ذائقه
كسيت قميصاً ذا سواد وتحته قميص من الإحسان بيض بنائقه
وعن أبي مسهر، قال: أخبرني بعض الأعراب أن أول ما تكلم به عبد بني الحسحاس أنهم أرسلوه رائداً فجاء وهو يقول:
أنعتُ غيثاً حسناً نباته
…
كالحبشي حوله بناته
فقالوا شاعر والله، ثم نطق بالشعر بعد ذلك.
قال محمد بن سلام: أتى عثمان رضي الله عنه بعبد بني الحسحاس ليشتريه، فأعجب به فقيل له: إنه شاعر. وأرادوا أن يرغبوه فيه، فقال: لا حاجة لي فيه فإن الشاعر لا حريم له إن شبع شب بنساء أهله، وإن جاع هجاهم، فاشتراه غيره، فلما رحل به قال في طريقه:
أشوقاً لما تمض لي غير ليلة
…
فكيف إذا سار المطي بنا شهراً
وما كنت أخشى مالكاً أن يبيعني
…
بشيء ولو أضحت أنامله صفرا
أخوكم ومولاكم وصاحب سركم
…
ومن قد سوى فيكم وعاشركم دهرا
فلما بلغهم شعره، رثوا له واستردوه وكان يشبب بنسائهم حتى قال:
لقد تحدر من جبين فتاتكم
…
عرق على متن الفراش وطيب
فقتلوه والله أعلم.
وممن ترجم له صاحب "السلافة"الشيخ حسن بن الشهيد الشامي العاملي، قال في حقه: هو شيخ المشايخ الجلة، ورئيس المذهب والملة، الواضح الطريق والسنن المحقق، ولا يراع له يراع والمدقق الذي راق فضله وراع المتفننين في جميع الفنون، والمتفخر به الآباء والبنون، وأما الأدب فهو روضه لأريض، ومالك زمام السجع منه والقريض، والناظم قلائده وعقوده، والمميز عروضه من تقوده وسأثبت منه ما يزدهيك إحسانه وتعطيك خرائده وحسانه.
فمن ذلك قوله:
طول اغترابي بفرط الشوق أضناني
…
والبين في غمرات الوجد ألقاني
فما رأيتك بالآفاق معترضاً
…
إلا وذكرتني أهلي وأوطاني
وما سمعت شج الورقاء نايحة
…
في الأيك إلا وشبت منه نيراني
كم ليلة من ليالي البين بت بها
…
أرعى النجوم بطرفي وهي ترعاني
كأن أيدي خطوب الدهر منذ نأوا
…
عن ناظري كحلت بالسهد أجفاني
ويا نسيماً سرى من حيهم سحراً
…
في طيه نشر ذاك الرند والبان
أحييت ميتاً بأرض الشام وجهته
…
وفي العراق له تخييل جثمان
وكم حييت وكم قد مت من شجن
…
ما ذاك أول إحيائي ولا الثاني
شابت نواصي من وجدي فوا أسفي
…
على الشباب فشيبي قبل إباني
يا لائمي وبهذا اللوم تزعجني
…
دعني فلومك قد والله أغراني
لا يسكن الوجد مادام الشتات ولا
…
تصفو المشارب لي إلا بلبنان
في ربع أنسي الذي حل الشباب به
…
تمائمي وبه صيحي وخلاني
كم قد عهدت بهاتيك المعاهد من
…
إخوان صدق لعمري أإخوان
وكم تقضت لنا بالحي آونة
…
على المسرة في كرم وبستان
لم أدر حال النوى حتى علقت به
…
فغمرتي من وقوعي قبل عرفاني
حتام دهري على الهون تمسكني
…
هلا جنحت لتسريحي بإحسان
أقسمت لولا رجاء القرب يسعفني
…
فكلما مت بالأشواق أحياني
لكدت أقضي بها نحبي ولا عجب
…
كم أهلك الوجد من شيب وشبان
يا جيرة الحي قلبي بعد بعدكم
…
في حيرة بين أوصاب وأحزان
يمضي الزمان عليه وهو ملتزم
…
بحبكم لم يدنسه بسلوان
باق على العهد راع للزمام فما
…
يسوم عهدكم يوماً بنسيان
فإن براني سقامي أو نأي رشدي
…
فلا عج الشوق أو هاني وألهاني
وإن بكت مقلتي يوم الفراق دماً
…
فمن تذكركم يا خير جيران
وقوله وهو من محاسن شعره:
فؤادي ظاعن إثر النياق
…
وجسمي قاطن أرض العراق
ومن عجب الزمان حياة شخص
…
ترحل بعضه والبعض باق
وحل السقم في بدني فأمسى
…
له ليل النوى ليل المحاق
وصبري راحل عما قليل
…
لشدة لوعتي ولظى اشتياقي
وفرط الوجد أصبح بي خليعاً
…
ولما ينو في الدنيا فراقي
وتبعث ناره في الروح حيناً
…
فيوشك أن تبلغها التراقي
وأظمأني النوى وأراق دمعي
…
فلا أروى ولا دمعي براق
وقيدني على حال شديد
…
فما حرز الرقى منه بواق
أبى الله المهيمن أن تراني
…
عيون الخلق محلول الوثائق
أبيت مدى الزمان لنار وجدي
…
على جمر يزيد به احتراقي
وما عيش الزمان صفاء يوم
…
يلوذ بظله مما يلاقي
سقتني نائبات الدهر كأساً
…
مريراً من أباريق الفراق
لم يخطر ببالي قبل هذا
…
لفرط الجهل أن الدهر ساقي
وفاض الكأس بعد البين حتى
…
لعمري قد جرت منه السواقي
فليس لداء ما ألقى دواء
…
يؤمك نفعه إلا التلاقي
وممن نقل عنه صاحب"السلافة"الشيخ زين الدين بن الشيخ محمد حسن الشامي العاملي قال في حقه: زين الأئمة، وكاشف الغمة، شرح الله صدره للعموم، وبنى له من رفيع الذكر صرحاً مع زهد أسس بنيانه على التقوى، وصلاح أهل ربه ربعه فما أقوى، وآداب تحمر خدود الورد من أنفاسها خجلاً، وشيم أوضح بها غوامض مكارم الأخلاق وجلا، رأيته بمكة المشرفة شرفها الله تعالى، والفلاح يشرق من محياه، وطيب الأعراق يفوح من نشر رباه، وما طالت مجاورته بها حتى وافاه، وانتقل من جوار حرم الله إلى جوار الله عز وجل توفي سنة1062 اثنتين وستين وألف رحمه الله تعالى، وله شعر خلب به العقول ويحر، وحدت رقته أنفاس نسيم السحر، فمن ذلك ما كتبه على الوالد من مكة المشرفة مادحاً له وذلك سنة 1061:
شام برقاً لاح بالأبرق وهنا
…
فصبا شوقاً إلى الجزع وحنا
وجرى ذكر أثيلات النقا
…
فشكى من لاعج الوجد وإن
دنف قد عاقه صرف النوى
…
وخطوب الدهر عما يتمنى
شفه الشوق إلى بان اللوى
…
فغدا منهمل الدمع معنى
أسلمته للردى أيدي الأسى
…
عندما أحسن بالأيام ظنا
طالما أمل المام الكرى
…
طمعاً في زورة الطيف وأنى
كلما جن الدجى حن إلى
…
زمن الوصل فأيدي ما أجنا
وإذا هب نسيم من ربا
…
حاجر أهدى له سقماً وحزنا
يا عريباً باحمى لولاكم
…
ما صبا قلبي إلى ربع ومغنى
كان لي صير فأوهاه النوى
…
بعدكم يا جيرة الحي وأفنى
قاتل الله النوى كم قرحت
…
كبداً من ألم الشوق وجفنا
كدرت مورد لذاتي وما
…
تركت لي من جميل الصبر ركنا
قطعت أفلاذ قلبي والحشا
…
وكستني من جليل السقم وهنا
فإلى كم أشتكي جور النوى
…
أقاسي من هوى ليلى ولبنى
قد صحا قلبي من سكر الهوى
…
بعدما أزعجه السكر وعنى
ونهاني عن هوى الغيد النهى
…
وحباني الشيب إحساناً وحسنا
وتفرغت إلى مدح فتى
…
سنة المعروف والإفضال سنا
يجد الربح سوى نيل العلى
…
في طلاب المجد خسراناً وغبنا
لم يزل في كل حين بابه
…
مأمناً من نوب الدهر وحصنا
غمرت سحب أياديه الورى
…
نعماً فهو للفظ الجود معنى
ورث السؤدد عن آبائه
…
مثل ما قد ورثوا بطناً فبطنا
حل من أوج العلى مرتبة
…
صار منها النسر والعيوق آدنى
تهزأ الأقلام في راحته
…
برماح الخط لما تتشنى
جادنا من راحتيه سحب
…
تمطر المسجد لا ماء ومزنا
يا عماد المجد يا من لم تزل
…
منه معاليه ثمار الفضل تجنى
عضني الدهر بأنياب الأسى
…
تركتني في يد الأسواء رهنا
هائماً في لجة الفكر ولي
…
جسد أنحله الشوق وأضنى
كلما لاح لعيني بارق
…
من نواحي الشام وأضناني وعنى
وكبت آمالنا شوقاً إلى
…
ورد إنعامك والأنضاء سقنا
بعدما انحلت العيس السرى
…
وأبادت في فيافي البيد بدنا
وبأكنافك يا كهف الورى
…
من تصاريف صروف الدهر لذنا
ونهي مجدك العالي بما
…
حازه بل كلما حاز تهنى
وابق يا مولى الموالي بالغاً
…
من مقامات العلى ما تتمنى
ومن قوله أيضاً:
سئمت لفرط تنقلي البيداء
…
وشكت لعظم ترحلي الأنضاء
ما أن أرى في الدهر غير مودع
…
خلاً وتوديع الخليل عناء