الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فديت حبيباً قد خلى عنه ناظري
…
ولم يخل منه في فؤادي موضع
مقيم بأكناف الغضا وهي مهجة
…
وإلا بوادي المنحنى وهو أضلع
أطال حجاز الصد بيني وبينه
…
فمقلته الحورا ودمعي ينبع
لئن عرضت من دون رؤيته الفلا
…
فيا رب روض ضمنا فيه مجمع
محلٌ يرى فيه جوامع لذة
…
بها تخطب الأطيار والقضب تركع
قرأنا به نحو الهنا فملابس
…
تجر وأيد بالمدامة ترفع
وقد أمنتنا دولة شادوية
…
فما نختشي اللأوا ولا نتخشع
مدائحها تمحو الأثلام ورفدها
…
يعوض من وفر الغنى ما نضيع
رعى الله أيام المؤيد إننا
…
وجدنا بها أهل المقاصد قد رعوا
مليك له في الجود صنع تأنقت
…
معاينه حتى خلته يتصنع
وعلياء لو أنا وضعنا حديثها
…
وجدنا سناها فوق ما كان يوضع
مذال الغنى لو حاولت يد سارق
…
خزائنه ما كان في الشرع يقطع
أرانا طباق المال والمجد في الورى
…
فذلك مبذول وهذا ممنع
وجانس ما بين القراءة والقرى
…
فللجود منه والإجادة موضع
توقد ذهناً واستفاض مكارماً
…
فاعلم أن الشهب بالغيب تهمع
وصان فجاج الملك عدلا وهيبة
…
فلا جانب إلا من الروض مرتع
عزائم وضاح المحامد أروع
…
إذا قيل وضاح المحامد أروع
تفرق أحمال النضار يمينه
…
لما راح بالسمر الطوال يجمع
ولا عيب في أخلاقه غير أنه
…
إذا عذلوه في الندى ليس يسمع
له كل يوم في السيادة والعلى
…
أحاديث تملي المحادين فتبدع
إذا دعت الحرب العوان حسامهُ
…
جلا أفقها والرمح للسن يقرع
وإن مشت الآمال نحو جنابه
…
رأت جود كفه لها كيف يهرع
فلا تفتخر من نيل مصر أصابع
…
فما النيل إلا من يمينك إصبع
أيا ملكا لما دعته ضراعتي
…
تيقنت أن الدهر لي سوف يضرع
قصدتك ظمآناً فجدت بزاخر
…
أشق كما قد قيل فيه وأذرع
وفي بعض ما أسديت قنع وإنما
…
فتى كنت مرمى ظنه ليس يقنع
لك الله ما أزكى وأشرف همة
…
وأحسن في العلياء ما تتنوع
مديحك فرض لازم لي دينه
…
ومدح بني العليا سواك تطوع
يقول جامع هذا المجموع: لقد خرجت عن الاختصار في
شعر
هذا الرجل، لغرابة أسلوبه ورقة ألفاظه، ولولا خوف الاطالة لأثبت له أكثر من ذلك. فلله دره! ما أرق معانيه. وأثبت مبانيه، وأبين فصوله. هو والله السهل الممتنع، والعذب الزلال والسحر الحلال.
شعر
السيد عبد الغفار الأخرس
هو السيد عبد الغفار بن السيد الواحد بن السيد وهب ولد بالموصل سنة 1220 وتوفي سنة 1290 ألف ومائتين وتعسين بالبصرة رحمه الله وشعره في غاية الرقة والانسجام، حسن الديباجة بديع النظام، ترتاح الأرواح لسماع رقائق شعره وتحسد اللالي جواهر نثره وكان حسن العقيدة سلفي الأثر علوي النسب المفتخر.
فمن قوله يمدح صاحب المجد الأثيل والجاه العرض الطويل عبد الغني أفندي جميل:
ألا من لأجفان أرقن رواء
…
وحر القلوب يا هذيم ظماء
صواد إلى برد الثغور التي بها
…
إذا كان دائي كان ثم دوائي
وصحب أحالوا الوصل هجراً وأعقبوا
…
تدانيهم في صدهم بجفاء
نأوا فحنيني لا يزال إليهم
…
ويا ويح دان لا يحن لناء
أجيراننا لما جفوتم وبنتم
…
ولم تمنحونا مرة بلقاء
عرفت بعهد الود في الحب غدركم
…
وأنتم عرفتم في الغرام وفائي
وجدت بروحي ذمة وبخلتم
…
كذلك إشفاقي وحسن بلائي
وفيكم ومنكم قبلها وعليكم
…
نبذت كلام العلذلين ورائي
حلال لكم دم مني طله الهوى
…
ولا صانه قومي إذاً بفدائي
أعيدوا علينا ساعة الوصل إنها
…
لأقصى مرامي منكم ومنائي
صدودكم أوهى قواي وهجركم
…
فجودوا على مضناكم بشفاء
فإن لم تعودوني ولو بخيالكم
…
فلا تطمعوا من بعدها ببقائي
أحبتنا لم تنصفونا بحبكم
…
وما هكذا لو تنصفون جزائي
ذكرناكم والدمع ماء نريقه
…
فشبناه في ذكراكم بدماء
فمن لوعة يصلى بنيرانها الحشا
…
ومهجة قلب آذنت بفناء
توالى عليها حرقة الوجد والأسى
…
فلم يبق منها الحب غير ذماء
ويا سعد ل تلحا أخاك وقد مضى
…
به سهم راميه اشد مضاء
صريع العيون النجل ما إن رمينه
…
صريع الهوى والوجد والبرحاء
قتيل الهوى العذري قد فتكت به
…
قدود غصون أو لحاظ ظباء
كأني به يستيقظ الحتف راقداً
…
إذا شام برقاً لاح بعد خفاء
ولم يبتسم ذلك البرق منهم
…
لعمرك إلا جالباً لبكائي
فما لك تلحوني على ما أصابني
…
من الداء جهلاً لا بليت بدائي
دعوتك تستمري الدموع لما أرى
…
فلم تستجب يوم الغميم دعائي
وهذا هذيم كلما كر طرفه
…
إلى مربع بالرقمتين خلاء
تذكر أياماً بهن قصيرة
…
يطول عليها شقوتي وعنائي
فأرسلها مهراقة وهي عبرة
…
ترقرق يرقيها بفضل رداء
خليلي إن لم تسعداني على الهوى
…
فأين ودادي منكما وإخائي؟
فيا سعد إني قد منيت وراعني
…
نوى يوم جد البين من خلطائي
فما للمطايا بين وجد ولوعة
…
وبين حنين مزعج ورغاء
بربك حثحثها وخذ بزمامها
…
وسر سير لا وان ولا ببطاء
إلى نزل لا يعرف الضيم أهله
…
ولا خاب من وافاهم برجائي
يحل به عبد الغني فلا الغنى
…
إذا مادنا الأخلاق منك بناء
ربيع الندى لا يبرح الفضل فضله
…
يطيب مصيفي عنده وشتائي
ألا لا سقتني غير راحته الحيا
…
فتورث صوب المزن فرط حياء
صفا العيش لي منها وطاب ولم يزل
…
يروق ولم يكدر علي صفائي
ولم إلا عنه دام علاؤه
…
رواية مج باذخ وعلاء
مناقب تزهو بالمكارم كلها
…
وتشرق من أنواره بوضاء
ولا كرياض الحزن وهي أنيقة
…
وتفضلها في بهجة وبهاء
تأرج أنفاس النسيم بطيبها
…
كما نسمت ريح الصبا بكباء
أخو العزمات الماضيات فما دجا
…
دجى الخطب إلا جاء بابن ذكاء
طربنا وأطربنا الأنام بمدحه
…
فهل ديرت الصهباء للندماء
ورحنا نجر الذيل بالفخر كلما
…
ذكرناه في الأشراف والعلماء
غذاء لروحي مدحه وثناؤه
…
وإن أحاديث الغرام غذائي
له الله موقى من يلوذ بعزه
…
به من صروف النائبات وقائي
فمن شدة فيه ومن لين جانب
…
ومن كرم في طبعه وسخاء
وما خفيت تلك المزايا وإنما
…
تلوح كما لاح الصباح لراء
مواهب أعطى الله ذاتك ذاتها
…
وحسبك من معط لها وعطاء
بها رحت أجني العز من ثمراته
…
ويخفق بين الأنجبين لوائي
عليك إذا أثنيت بالخير كله
…
تقبل أَبا محمود حسن ثنائي
رأيت القوافي فيك تزداد رونقاً
…
ولو أنها كانت نجوم سماء
ولم أر مثل الشعر أصدق لهجة
…
إذا قال فيك القول غير مراء
غني عن الدنيا جميعاً وأهلها
…
سواك وفيه ثروتي وغنائي
فقير إلى جدواك في كل حالة
…
وإنك تدري عفتي وإبائي
وقال يمدحه:
عاد المتيم في غرامك داؤه
…
أهل السليم تعوده آناؤه؟
فتأججت زفراته وتلهبت
…
جمراته تقدت رمضاؤه
حسب المتيم جده غرامه
…
وكفاه ما فعلت به برجاؤه
بالله أيتها الحمائم غردي
…
لطالما أشجى المشق غناؤه
نوحي تجاوبك الجوانح أنة
…
وتظل تندب خاطري رقاؤه
هيهات ما صدق الغرام على امرئ
…
حتى تذوب من الجوى أحشاؤه
إن كان يبكي الصب لا من لوعة
…
أخذت بمهجته فمم بكاؤه؟
بترقرق العبرات وهي مذلة
…
سر يضر بحاله إفشاؤه
يا قلب كي علت في إشراكهم
…
أو ما نهاك عن الهوى نصحاؤه
لا تذهبن بك المذاهب غرة
…
آرام ذياك الحمى وظباؤه
وبمهجتي من لحظ أحور فاتن
…
مرض يعز على الطبيب شفاؤه
هل يهتدي هذا الطبيب لعلتي
…
إن الغرام كثيرة أدواؤه
والليل يعلم ما أجن ضميره
…
من لوعتي وتضمنت أرجاؤه
ما زلت أكتحل السهاد بهجركم
…
أرقا ويطرف ناظري أقذاؤه
حتى يشق الصبح أردية الدجى
…
وتحيل صبغة ليله ظلماؤه
زعم العذول بأن همي همه
…
ومن البلية همه وعناؤه
يدعو الفؤاد إلى السلو ودونه
…
الشوق داع لا يرد دعاؤه
لا يطمعن في العذول فما له
…
مني سوى ما خاب فيه رجاؤه
حكم الغرام على ذويه بما قضى
…
ومضى عليهم حكمه وقضاؤه
يا رحمة للمغرمين وإن تكن
…
قتلي هواك فإنهم شهداؤه
ما كان داء الحب إلا نظرة
…
هي في الصبابة داؤه ودواؤه
في الحي بعد الظاعنين لما به
…
ميت بكته لرحمته أحياؤه
حفظ الوداد فما لكم ضيعتم
…
ووفى بعهدكم فدام وفاؤه
وجزيتموه على الوصال قطيعة
…
أكذا من الإنصاف كان جزاؤه
ما شرع دين الحب شرعة هاجر
…
صدق الخلوص لوده شحناؤه
خاصمت أيامي بكم فرغمتها
…
والحر أوغاد الورى خصماؤه
سفها لرأي الدهر يحسب أنن
…
ممن يراع إذا دهت دهياؤه
ألقى طوب خطوبه متبسماً
…
وسواي يهب في الخطوب لقاؤه
إني ليعجبني ترفع همتي
…
ويروق وجهي صونه وحياؤه
لا تعجبن من الزمان وأهله
…
هذا الزمان وهذه اأبناؤه
ليس المهذب من تطيش بلبه
…
نعماؤه يوماً ولا بأساؤه
لا بد من يوم يسر به الفتى
…
وتزول عن ذي غمة عماؤه
ولربما صدئ الحسام وناله
…
قين فعاد مضاؤه وجلاؤه
أو ما تراني كيف كنت وكان لي
…
من كان أفخر حليتي نعماؤه
عبد الغني أبو جميل وابنه
…
وكذا بنوه وهكذا آباؤه
نب أضاء به الوجوه وأشرقت
…
في مشمخر علائه ضوضاؤه
هذا القريب من العفاة عطاؤه
…
هذا الرحيب بمن ألم فناؤه
ضربت على قلل الفخار قبابه
…
وبدا لمشتط الديار سناؤه
إن كان يعرف نائل فنواله
…
أو كان يعلم باذخ فعلاؤه
شيخ إذا الملهوف أم بحاجة
…
في بابه نشطت لها أعضاؤه
يفدي النزيل بماله وبنفسه
…
نفسي ونفس العلمين فداؤه
متنمر إن سيم ضيماً أدميت
…
منه البراثن واستشاط إباؤه
فيه من الضرغام شدة بطشه
…
ومن المهند بأسه ومضاؤه
رفعت له فوق الكواكب عمة
…
وأحاط بالبحر المحيط رداؤه
حدث ولا حرج ولست ببالغ
…
ما تستحق لهابه آلاؤه
بهر العقول جميلة وجماله
…
وجلاله وكماله وبهاؤه
هذي معاليه فما نظراؤه
…
غير النجوم علىً ولا أكفاؤه
تالله لم تظفر يداه بثروة
…
إلا ليفتك جوده وسخاؤه
راحت ذوو الحاجات يقتسمونها
…
فكأنهم في ماله شركاؤه
وجدانه فقد الثراء لنفسه
…
ولغيره أبداً يكون ثراؤه
يمسي ويصبح بالجميل ولم يزل
…
يثني عليه صبحه ومساؤه
لله منبلج السنا عن غرة
…
لا الصبح منبلجاً ولا أضواؤه
لو تنزل الآيات في أيامه
…
أثنى عليه الله جل ثناؤه
ما في الزمان وأهله مثلاً له
…
إذ لم تكن كرماءه لؤماؤه
وقف على الصنع الجميل جنابه
…
فكأنما هو لو نظرت غذاؤه
وطعامه وشرابه وسماعه
…
ومرامه ورجاؤه وصفاؤه
ولربما لمعت بوارق غيثه
…
فانهل عارضه وأهرق ماؤه
ولقد تجود بكل نوءٍ مزنة
…
جود السحاب تتابعت أنواؤه
إني أؤمل أن أكون بفضله
…
ممن يؤمل فضله وعطاؤه
بيت المروءة والأبوة والندى
…
ومحله ومكانه ووعاؤه
سبحان من خلق المكارم كلها
…
في ذلك البيت الرفيع بناؤه
أصبحت روض الحزن من سقيا الحيا
…
راقت محاسنه ورق هواؤه
يسري إليه نسيم أرواح الصبا
…
فتصوع في نفحاتها أرجاؤه
يمري عليها الري كل عشية
…
وتجودها من صيب أنداؤه
عهد الربيع بفصله وبفصله
…
أبداً يمر خريفه وشتاؤه
ما زال يوليني الجميل تكرماً
…
مولى علي من الفروض ولاؤه
وكأنما أصطبح المدامة شاعر
…
بمديحه فقريضة صهباؤه
فالله يبقي المكرمات وهاهما
…
متلازمان بقاؤها وبقاؤه
وله:
أرى هذي النياق لها حنين
…
إلى إلف لها ولها رغاء
وأجفان بعبرتها رواءٌ
…
وأحشاء بزفرتها ظمآء
وإن بها من الأشجان داء
…
وعندك يا هذيم لها دواء
حدا منها بها للشوق حاد
…
وفاز بها التوقص والنجاء
أراها والغرام قد ابتلاها
…
بلى إن الغرام هو البلاء
أراع فؤادها بينٌ وإلا
…
فما هذا التلهف والبكاء
وهل أودى بها يوماً وقوف
…
على رسم ومرتع خلاء
فذرها والصبابة حيث شاءت
…
أليس الوجد بفعل ما شاء
نحن إلى منازلها بسلع
…
عفتها الهوج والريح الرخاء
وقوم أحسنوا الحسنى إليها
…
ولكن بعد ذلك قد أساؤوا
نأوا عنها فكان لها التفات
…
إليهم تارة ولها انثناء
وظنت أنهم يدنون منها
…
فخاب الظن وانقطع الرجاء
وقال يمدح السيد النقيب علي القادري:
أعادك يا سعد عيد الهوى
…
وأنت ملم بدار اللوى
فأصبحت تنحر فيها الجفون
…
كما تنحر البدن يوم القرى
فمن حق طرفي هذي الدموع
…
ومن شأن قلبي هذا الجوى
فما غير قلبي يصلي الغضا
…
ولا غير طرفي يفيض الدما
وكيف وقفت على أربع
…
عفت قبل هذا بأيدي البلى
أتدفع فيها بها ما ترى
…
فكيف تداوي الأسى بالأسى
ولمْ لا اتبعت كلام النصوح
…
وكفكفت دمعك لما جرى
إلى أن تحققت أن الغرام
…
يعيد القوى ضعيف القوى
وحتى أطلعت الهوى والشجي
…
يعاصي الملام لطوع الهوى
فإن تلحني بعدها مرة
…
جزيتك يا سعد بئس الجزا
ولمتك في عبرات تفيض
…
وجد يقطع منك الحشا
وقلت تسل عن الظاعنين
…
فإن السلو بأمر الفتى
ألم تك من قبلها لمتني
…
فماذا الوقوف وماذا البكا
وقد كنت مثلك بين الطلول
…
أساجل بالدمع وبل الحيا
أروي الديار بماء الجفون
…
فلم يرق دمعي وفيها ظما
وما برحت عبراتي بها
…
تبل الغليل وتروي الصدا
وأذكر فيها على صبوتي
…
زمان التصابي وعهد الصبا
قضيت لديه بما اشتهى
…
ولكنه قد مضى وانقضى
أغزل غزلانه للوصال
…
وأشرب للهو كأس الطلا
وأسمع من نغمات القيان
…
كلام يعشقني بالدمى
يحض على ما يسر النفوس
…
ويدعو إلى ما هو المشتهى
ينادمني كل عذب الكلام
…
يشابه بالحسن بدر الدجى
وألقى الزمان بهم باسماً
…
كوجه الكريم وزهر الربى
فإن ترنى بعدهم راضياً
…
ولو بالخيال فما عن رضى
ولكنها زفرات تهيج
…
فأذكر يا سعد ما قد مضى
وإن جاشت النفس من وجدها
…
فتعليلها بحديث المنى
ففي مدحه ما يزيل الهموم
…
وفي شكره يستفاض الندى
فلا بعده للعلى منتهى
…
ولا غيره للعلى مرتقى
تواضع وهو علي الجناب
…
رفيع المحل وسامي الذرى
بآثاره أبدا يقتفى
…
وأقواله أبداً يقتدى
ملاذ الجميع لمن قد دنا
…
من العالمين ومن قد نأى
أعاد مناقب آبائه
…
حياة العفاة وحتف العدى
ويرتاح للبذل يوم العطا
…
فينفق أنفس ما قد غلا
فإما سألت ندى كفه
…
فسل ما تشاء وثق بالغنى
وأعجب ما فيه يعطي الجزيل
…
ويلحق ذاك الجدا بالجدا
ففيه مع الجود هذا الحياءُ
…
وفيه مع البأس هذا التقى
أليس من القوم سادوا الأنام
…
فهم سادة لجميع الورى
عليهم تنزيل وحي الإله
…
ومنهم تبلج صح الهدى
وكيف يفاخرهم غيرهم
…
إذا كان جدهم المصطفى
يلوذ بحضرتهم من يخاف
…
خطوب الليالي ويخشى الأذى
حماة بهم يأمن الخائفون
…
نوائب من شدة تتقى
لهم عند ضيق مجال الرجال
…
عزائم ليست لبعض الظبى
أكارم لا نارهم في الظلام
…
توارى ولا جارهم في عنا
مضوا وأتى بعدهم فرعهم
…
ومن قد مضى مثل من قد أتى
مهاب إذا أنت أبصرته
…
فتحسبه من أسود الثرى
يجيب إذا ما دعاه الصريخ
…
همام يلبي إذا ما دعا
صفا من يديه نمير النوال
…
لمن يحتديه فخذ ما صفا
أؤمل منه بعيد المرام
…
كمن شرب الراح حتى انتشى
ولا زال في كل عيد يعود
…
بأرفع مجد وأعلى بنا
ومن قوله مادحاً شهاب الدين السيد محمود الألوسي ويهنئه ببعض ال'ياد: سكب الدمع لها فانسكبا=وقضى من حقها ما وجبا
أربع لولا تباريح الهوى
…
ما جرى دمعك فيها صببا
وجدت فيها السوافي ملعباً
…
للنوى فاتخذتها معلبا
ما لقينا بوقوف الراكب في
…
ساحة النعمان إلا نصبا
ذكر الصب وهل ينسى بها
…
زمن اللهو وأيام الصبا
يا رعى الله بها لي قمراً
…
مشرق الطلعة لكن غربا
أمنى للنفس في أهل منى
…
وقباب الحي وادي قبا
فلقد كنت وكانت فتية
…
أنجم الأفق وأزهار الربى
ذهب الدهر بهم فامتزجت
…
فضة الأدمع فيهم ذهبا
يا خليلي وهلا شمتما
…
بارقاً لاح لعيني وخبا
فتورى كفؤادي لهباً
…
ثم أورى زنده والتهبا
لعب الشوق بأحشائي وما
…
جدَّ جد الوجد حتى لعبا
فانشدا لي في الحمى قلباً فقد
…
ضاع مني في الحمى أو غصبا
نظرت عيني أسراب المها
…
نظرة كانت لحيني سببا
يوم أصبتنا إلى دين الهوى
…
فتعللنا بأرواح الصبا
وعدونا زورة الطيف أما
…
آن ميعادهم واقتربا
أرب النفس وحاجات امرئ
…
ما قضى منكم لعمري أربا
قضت الأيام فيما بيننا
…
أننا لم نلق يوماً طربا
وهب الدهر لنا لذتهُ
…
واسترد الدهر ما قد وهبا
ومنعنا من أفاويق الطلا
…
منهلاً كان لنا مستعذبا
فحدا الحادي لسقيا عهدكم
…
عارضا إن ساقه البرق كبا
مقلة الوالع يذرى دمعها
…
وبكى القطر لها وانتبا
أمر القلب بصبر فعصى
…
ودعى الصبر إليها فأبى
قلما يدعى فيقضي حاجة
…
وإذا ما انتدبوه انتدبا
والليالي فلك ما أطلعت
…
كل يوم عجباً مستغربا
وكآفاق العلى ما أطلعت
…
كشهاب الدين فينا كوكبا
فتأمل في معاني ذاته
…
وتفكر فتحدث عجبا
هيبة لله في مطلعه
…
ملأت قلب الأعادي رعبا
يرتجي جوداً ويخشى سطوة
…
رغباً يرجى ويخشى رهبا
عالم الدنيا وناهيك به
…
لا يشوب العلم إلا أدبا
معرب عن فكره الثاقب إن
…
زف أبكار المعاني عربا
كم تجلت فجلت أفكاره
…
من سنى كل عويص غيهبا
فأرتنا الحق يبدو واضحاً
…
بعد ما قارب أن يحتجبا
بلسان يفصل الأمر به
…
كسبا الصمام أو أمضى سبا
فخذ اللؤلؤ من ألفاظه
…
واجتن إن شئت منها ضربا
وفكاهات إذا أوردتها
…
نظمت فوق المحيا حببا
وكمالات له معجزة
…
وأحاديث رواها نخبا
أين من راق في السمع كما
…
قد يروق العين فيما كتبا
وكلام راق في السمع كما
…
قد يروق العين فيما كتبا
علوي من أعالي هاشم
…
هاشم الجود ويكفي نسبا
صاغه الله لقوم أربا
…
ولقوم حسدوه عطبا
لا يزال الدهر يعلو جده
…
مرتقيها في المعالي رتبا
فإذا بوحث في الجد علا
…
وإذا غولب فيه غلبا
أبلج تحسبه بدر دجى
…
أو بأضواء الصباح انتقبا
ديمة منهلة ما شمت في
…
بارق الآمال منها خلبا
ولئن أصبح روضي ممحلاً
…
فكم أخضر به واعشوشبا
يهنك العيد فخذ من لائذ
…
بك ما كنت له مستوجبا
شاكراً منك على العيد يداً
…
لم أفاخر بسواها السحبا
فتفضل يا ابن بنت المصطفى
…
أشرف العالم أماً وأبا
وله فيه رحمه الله تعالى:
أبو الثناء شهاب الدين ما بلغت
…
عقائل المال إلا من مواهبه
قضى على المال بالإنفاق نائله
…
فقلت يا فوز راجيه وطالبه
وكلما رحت أستسقى سحائبه
…
سقيت عذباً نميراً من سحائبه
مستعذب الجود يحني الشهد سائله
…
كما يسوغ ويستحلى لشاربه
سيف الشريعة ماضي الحد منصلت
…
فهل فرت بأمضى من مضاربه
وهل سمعت بفضل عد في زمن
…
ولم يكن آخذاً منه بغاربه
يا در در زمان من غرائبه
…
إن كان أغرب شيء في غرائبه
قد عز جانبه العالي وبز على
…
فالعز أجمع والعليا بجانبه
ولاح للفلك العلي مناقبه
…
فعهدها وهي أبهى من كواكبه
يا من يحدث عنه العلم يسنده
…
حدث عن البحر وارو من عجائبه
وقال يمدح النقيب السيد علي أفندي القادري:
ما غاب بدر دجى منكم ولا غربا
…
إلا وأشرق بدر كان محتجبا
لا ينزع ظلام الخطب ما برحوا
…
بيض الوجوه فإن صالوا فبيض ظبى
من كل أبلج يزهو بهجة وسنى
…
تخاله ببياض الصبح منتقبا
قد أنفقوا في سبيل الله ما ملكوا
…
واستسهلوا في طلاب العز ما صعبا
هم الجبال اشمخرت رتبة وعلا
…
هم الجبال وأما غيرهم فربى
أبناء جد فما تدنو نفوسهم
…
إلى الدنية لا جداً ولا لعبا
عارون من كل ما يزري ملابسه
…
يكسوهم امجد أبراداً لهم فشبا
ومنية قد بعثناها فتحسبها
…
نجائباً لا وجى فيها ولا لغبا
إلى علي علي القدر مرجعه
…
نقيب أشراف غر السادة النجبا
الواهب المال حماً غير مكترث
…
والمستقل مع الإكثار ما وهبا
يريك وفر العطايا من مكارمه
…
يوم النوال وإن عاديته العطبا
قد شرف الله فرعا للنبي سما
…
إلى السماء إلى أن طاول الشهبا
لِم لَم يشرف على الدنيا بأجمعها
…
من كان أشرف هذي الكائنات أبا
هذا هو المجد مجد غير مكتسب
…
وإنما هو ميراث أباً فأبا
من راح يحكيهم بين الورى نشباً
…
فليس يحكيهم بين الورى نسا
أنتم رؤوس بني الدنيا وسادتها
…
إن عد رأس سواكم لاغتدى ذنبا
لكم خوارق عادات متى ظهرت
…
على العوالم كادت تخرق الحجبا
رقت شمائلك اللاتي ترق لنا
…
حتى كأنك مخلوق نسيم صبا
وفيك والدهر يخشى من حوادثه
…
ويرتجى رغباً إذ ذاك أو رهبا
صلابة قط ما لانت لحادثة
…
وقد تلين خطوب الدهر من صلبا
وعزمة مثل واري الزند لو لمست
…
موجاً من اليم أضحى موجه لهبا
تجنب البخل بالطبع الكريم كما
…
تجنب الهجر والفحشاء واجتنبا
فنال ما نال آباء له سلفت
…
ندب إلى الشرف الأعلى قد انتدبا
إن كان آباؤه بالجود قد ذهبوا
…
فقد أعاد بهذا العصر ما ذهبا
فانظر لأيديه إن جادت أنامله
…
بالصيب الهامل الهامي ترى العجبا
أين الكواكب من تلك المناقب إذ
…
تزهو كما قد زهت بالقطر زهر ربى
تلك المزايا كنظم العقد لو تليت
…
على الرواسي لهزت عطفها طربا
يرضى العلاء متى يرضى على أحد
…
ويغضب الدهر أحيانا إذا غضبا
قد بلغت نعم العافي أنعمه
…
فلم تدع لهم في غيره أربا
يقول نائله الوافي لوافده
…
قد فاز جالب آمالي بما جلبا
أكرم بسيد قوم لا يزال له
…
مكارم تركت ما حاز منتهبا
الكاسب الحمد في جود وبذل ندى
…
يرى لكل امرئ في الدهر ما كسبا
نهز غصنا رطيبا كل آونة
…
يساقط الذهب الإبريز لا الرطبا
فما وجدت إلى امتداحه سبباً
…
إلا وجدت إلى نيل الغنى سببا
وحبذا القرم في أيام دولته
…
حلبت ضرع مرام قط ما حلبا
بمثله كانت الآمال توعدنا
…
فحان ميعاد ذاك الوعد واقتربا
حتى أجابته إذ نادى مآربه
…
بمنصب لو دعاه غيره لأبى
موفق للمعالي اابتغى طلباً
…
إلا وأدرك بالتوفيق ما طلبا
سباق غايات قوم لا لحاق له
…
وكم جرى إثره من سابق فكبا
مذ كنت أنت نقيباً سيداً سنداً
…
أوضحت آثار تلك السادة النقبا
أضحكت بعد بكاء المجد طلعته
…
فقد تبسم مجد بعد ما انتحبا
أحييت ما فات من فضل ومن أدب
…
فلتفخر في معاني مدحك الأدبا
يا آل بيت رسول الله إن لكم
…
علي فضلاً حباني الجاه والنشبا
وأيديا أوجبت شكري لأنعمها
…
فاليوم أقضي لكم بالمدح ما وجبا
ومن قوله مادحاً عبد الغني أفندي جميل، ومعرضاً بشكوى زمانه وتغير خلطائه وأخدانه:
سؤالك هذا الربع أين جوابهُ
…
ومن لا يعي للقول كيف خطابهُ
وقفت وما يغنيك في الدار وقفة
…
سقى الدار غيث مستهل سحابه
غناؤك في تلك المنازل ناظر
…
بدمع توالى غربه وانسكابه
إلى طلل أقوى فلم بعدها
…
بمغنيك شيئاً قربه واجتنابه
ذكرت كأيام الشبيبة عهده
…
وهل راجع بعد المشيب شبابه
وقد كان ذاك العيش والغصن ناعم
…
يروق ويصفو كالرحيق شرابه
وجدت لقلبي غير ما تجدينه
…
أسى في فؤادي قد أناخ ركابه
يفيض ختام الدمع يا ميّ حسرة
…
ذهاب شباب لا يرجى إيابه
ودهر أعاني كل يوم خطوبه
…
وذلك دأبي يا أميم ودأبه
مسوق إلى ذي اللب في الناس رزؤه
…
ووقف على الحر الكريم مصابه
وحسبك مني صر أروع ماجد
…
بمستوطن ضاقت عليه رحابه
يبيت نجي الهم في كل ليلة
…
يطول مع الأيام فيها عتابه
قضى عجباً منه الزمان تجلداً
…
وما ينقضي هذا الزمان عجابه
تذاد عن الماء النمير أسوده
…
وفد تلغ العذب الفرات كلابه
ألم يحزن الآبي رؤوس يطامنت
…
وفاخر رأس القوم فيها ذنابه
وأعظم بها دهياء وهي عظيمة
…
إذا اكتنف الضرغام بالذل غابه
متى ينجلي هذا الظلام الذي أرى
…
ويكشف عن وعد الرجاء كذابه
وتلمع بعد اليأس بارقة المنى
…
تفل مواضيه وينبو حرابه
عقور على شلوي يعض بنابه
…
وتعدو علينا بالعوادي ذئابه
رمته الروامي بالسباب مذمة
…
وما ضر في عرض اللئيم سبابه
تفحصت إخواني فلم أر فيهم
…
قويماً على نهج الوفاء اصطحابه
أفي الناس لا والله من في إخائه
…
تشد علي العظم المهيض عصابه
يساورني كأس الهموم كأنما
…
يمج بها السم الذعاف لعابه
وأبعد ما حاولت حراً دنوه
…
دونك مما يرتضي واقترابه
يصيبك منه شهده دون صابه
…
إذا كان ممزوجاً مع الشهد صابه
يريك الرضى والدهر غضبان معرض
…
وترجوه للأمر الذي قد تهابه
لك الله ليست في المشارع شرعة
…
ولا منهل عذب يسوغ شرابه
وما الناس إلا مثل ما أنت عارف
…
فلا تطلبن الشيء عز طلابه
بلوت بهم حلو الزمان ومره
…
فسيان عندي عذبه وعذابه
كأني أرى (عبد الغني) بأهله
…
غريباً من الأشراف طال اغترابه
يميزه عنهم سجايا منوطة
…
بأروع من زهر النجوم سخابه
ثمين لآلي العقد حالية به
…
من الفضل أعناق الحجى ورقابه
إذا ناب عن صوب الغمام فإنه
…
إذا لم يصب صوب الغمام منابه
تألق فانهلت عزاليه وارتوى
…
به ربع راجيه وسالت شعابه
أتعرف إلا ذلك القرم آبيا
…
على الدهر يقسو أو تلين صلابه
تسربل فضفاض الأبوة كلها
…
وزرت على الليث الهصور ثيابه
ولم ينزل الأرض التي قد تطامنت
…
ولو أن ذاك الربع مسكا ترابه
لقد ضربت فوق الرواسي وطنبت
…
على قلل المجد الأثيل قبابه
فأصبحت الشم العرانين دونه
…
وحلق في جو الفخار قبابه
أبى الله والنفس الأبية أن يرى
…
بغير المعالي همهُ واكتئابه
فدانت له الأخطار بعد عتوها
…
وذلت له من كل خطب صعابه
ومجتهد في كل علم أبية
…
فلا يتعداها لعمري صوابه
بفكر يرى مالا يرى فكر غيره
…
يشق جلابيب الظلام شهابه
مقيم على أن لا يزال قطاره
…
يصوب وهذا صوبه وانصبابه
وناهيك بالندب الذي إن ندبته
…
كفاك مهمات الأمور انتدابه
ذباب حسام البأس جوهر عضبه
…
وما الصارم الهندي لولا ذبابه
عليم بما يقني الثناء وعامل
…
وداع إلى الخير العظيم مجابه
إذا انتسب الفعل الجميل فإنما
…
يكون إلى رب الجميل انتسابه
وإني متى اخليت من ثروة الغنى
…
وأغلق من دون المطامع بابه
بدا لي أن أعشو إلى ضوء ناره
…
وأصبو إلى ذاك المريع جنابه
فأصدرني عنه مصادر وارد
…
من اليم زخار النوال عبابه
فاصبح مرموق السعادة بعدما
…
خلت ثم لا زالت ملاءً وطابه