الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دعاها الردى بعد الردى فتتابعت
…
تتابعَ منبتِّ الفريد المنظم
سلامٌ على تلك الخلائق إنها
…
مسلمةٌ من كلّ عار ومأتم
مساعٍ عظامٌ ليس يبلى جديدها
…
وإن بليت منهم رمائمُ أعظم
ولا عجباً للأسدِ إن ظفرت بها
…
كلابُ الأعادي من فصيح وأعجم
فحَربَةُ وحشيّ سقت حمزة الردى
…
وموتُ عليّ من حسام ابن مُلجمِ
أبا مسلمٍ لا زلت من مودع لنا
…
من المزن مسكوب الحيا ومسلم
مدامعُ باكٍ من بني الغيث والهٍ
…
أُعاركها أم ضاحكٍ متبسم
لئن لم تمت نهب السيوف ولم تُقم
…
بواكيك أطراف الوشيج المقوم
لبا لرَّكضِ من آل المنية مُعلماً
…
إلى كلّ قرمٍ بالمنية معلم
وحملك ثقلَ الدرع يحَمى حديدها
…
على حرّ جسمٍ بالحديد مهدم
وما جدثٌ فيه ابتسامك للندى
…
إذا أظلمت أجداثُ قومٍ بمظلم
شعر المتنبي
قال أبو الفرج
هو احمد بن الحسين بن عبد الصمد الجعفي الكندي الصوفي المعروف بالمتنبي الشاعر المشهور.
وهو من اهل الكوفة. وقدم الشام في صباه وجال في أقطارها واشتغل بفنون الادب ومهر فيها.
وكان من المكثرين من نقل اللغة والمطلعين على غريبها وحوشيها، ولا يسأل عن شيء إلا استشهد به بكلام العرب من النظم والنثر.
وأما شعره فهو في النهاية من الجودة فمن ذلك ما روى له الشيخ تاج الدين الكندي رحمه الله بيتين لا يوجدان في ديوانه وكانت روايته لهما بالإسناد الصحيح وهما:
أبعيمِ مفتقرٍ إليك نظرتني
…
فأهنتني وقذفتني مِن حالق
لستَ الملوم أنا الملومُ لأنني
…
أنزلت آمالي بغيرِ الخالق
ولمّا كان بمصر مرض وكان له صديق يغشاه في علته فلما أبلّ انقطع عنه فكتب
إليهوصلتني وصلك الله معتلاً، وقطعتني موبلاً، فإن رأيت ان لا تحبب العلة إليّ ولا تكدر الصحة عليّ فعلت إن شاء الله تعالى قال أحمد بن محمد النامي الشاعر المشهور أود أن كون سبقت المتنبي إلى بيتين قالهما وهما
رماني الدهر بالأرزاء حتى
…
فؤادي من غشاءٍ من نبال
فصرتُ إذا أصابتني نبالٌ
…
تكسرتِ النصالُ على النصال
والبيت الثالث
في جحفلٍ سترَ العيون غبارهُ
…
فكأنما يبصرونَ بالآذانِ
واعتنى العلماء بديوانه وشرحوه بشروح عدة ما بين مطولات ومختصرات ولم يفعل هذا
بديوان غيره، وإنما قيل له المتنبي لأنه ادعى النبوة في بادية السماوة وتبعه خلق كثير فخرج إليه لؤلؤ أمير حمص نائب الأخشيدية فأسره وتفرق أصحابه فحبسه، ثم رجع عن ادجعاء النبوة وتاب وحسن مذهبه. وقيل إنه قال أنا أول من تنبأ بالشعر. ثم التحق بسيف الدولة ابن حمدان في سنة سبع وثلاثين وثلاث مئة ثم فارقه ودخل مصر سنة ست وأربعين وثلاث مئة ومدح كافوراً الأخشيدي (وانوجور) ابن الأخشيدي. وكان يقف بين يدي كافور وفي رجليه خفان وفي وسطه سيف ومنطقة ويركب بحاجبين من مماليكه وهما بالسيوف والمناطق. ولما لم يرضه هجاه وفارقه ليلة عيد النحر سنة خمسين وثلاث مئة ووجه خلفه كافور رواحل إلى جهات شتى فلم يلحق به. وكان كافور وعده بولاية بعض أعماله فلما رأى تعاليه في شعره وسموه بنفسه خافه وعوتب فيه فقال يا قوم من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم أما يدعي المملكة مع كافور فحسبكم. قال أبو الفتح بن جني النحوي كنت قرأت ديوان أبي الطيب المتنبي عليه فقرأت عليه قوله في كافور القصيدة التي أولها
أغالبُ فيك الشوك والشوقُ أغلبُ
…
وأعجبُ من ذا الهجر والوصلُ أعجبُ
حتى بلغت إلى قوله:
ألا ليت هل أقولُ قصيدة
…
فلا أشتكي فيها ولا أتعتبُ
وبي ما يذود الشعرَ عني أقله
…
ولكن قلبي يا ابنة القوم قلّبُ
فقلت له: يعز علي كيف يكون هذا الشعر في غير سيف الدولة. فقال: حذرناه وأنذرناه فما، ألست القائل فيه: أخا الجود أعط الناس ما أنت مالك=ولا تعطينّ الناس ما أنا قائلُ
فهو الذي أعطاني كافور بسوء تدبيره وقلة تمييزه. ثم إن قصد بلاد فارس ومدح عضد الدولة بن بويه الدامي فأجزل جائزته، ولما رجع من عنده قاصداً بغداد ثم إلى الكوفة في شعبان لثمانٍ خلون منه عرض له فاتك بن أبي الجهل الاسدي في عدة من أصحابه وكان مع المتنبي أيضاً جماعة من اصحابه فقاتلهم فقتل المتنبي وابنه محسد وغلامه مفلح بالقرب من النعمانية في موضع يقال له: الصافية.
ذكر ابن رشيق في كتاب " العمدة " في باب منافع الشعر ومضاره أن المتنبي لما فر حين رأى الغلبة قال له غلامه: لا يتحدث عنك بالفرار وانت القائل:
الخيلُ والليل والبيداء تعرفني
…
والسيفُ والرمح والقرطاس والقلم
فَكرَّ راجعاً حتى قتل. وكان سبب قتله هذا البيت وذلك سنة اربع وخمسين وثلاث مئة. ومولده سنة ثلاث وثلاث مئة بالكوفة في محلة كندة فنسب إليها وليس هو من كندة التي هي القبيلة، بل هو جعفي القبيلة، وهو جعفر بني سعد العشيرة من مذحج، وإنما قيل له سعد العشيرة لأنه كان يركب فيما قيل في ثلاث مئة من ولده وولد ولده فإذا سئل قال: هؤلاء عشيرتي مخافة العين عليهم. ويحكى ان المعتمد بن عبادة اللخمي صاحب قرطبة والشبيلية أنشد يوماً في مجلسه بيت المتنبي:
إذا ظفرت منكَ العيون بنظرةٍ
…
أثابَ لها معيي المطيّ ورازمهُ
فجعل يردده استحساناً له وفي مجلسه ابن وهبون الأندلسي فأنشد ارتجالاً:
لئن جادَ شعرُ ابن الحسين فإنما
…
تجيدُ العطايا واللهي تفتح اللَّها
تنبأ عجباً بالقريضِ ولو درى
…
بأنك تروي شعره لتألّها
وذكر الأفليلي: أن المتنبي أنشد سيف الدولة قصيدته التي أولها:
لكلِّ امرئٍ من دهره ما تعودا
…
وعادةُ سيف الدولة الطعنُ بالعدى
وانشده إياها وهو قاعد فقال بعض الحاضرين يريدون أن يكيدوا أبا الطيب: لو أنشدها قائماً لأسمع فإن أكثر الناس لا يسمعون. فقال أبو الطيب أما سمعتم أولها (لكل امرئ من دهره ما تعودا) وهذا من مستحسن الأجوبة. وبالجملة فسمو نفسه وعلو همته وأخباره وما جرياته كثير والاختصار أولى نقلت هذه الترجمة من " وفيات الأعيان " لابن خلكان باختصار، قال يمدح سيف الدولة:
فديناكَ من ربعٍ وإن زدتنا كَربا
…
فإنك كنت الشرق للشمس والغربا
وكيف عرفنا رسم من لم يدع لنا
…
فؤاداً لِعِرفانِ الرسوم ولا لُبَّا
نزلنا عن الأكوار نمشي كرامةً
…
لمن بان عنه أن نلّم به ركبا
ومن صحب الدنيا طويلاً تقلبت
…
على عينيه حتى يرى صدقها كذبا
وكيف التذاذي بالآصائل والضحى
…
إذا لم يعد ذاك النسيم الذي هبا
ذكرتُ به وصلاً كأن لم أفز به
…
وعيشاً كأني كنتُ أقطعه وثبا
وفتانةُ العينين قتالةَ الهوى
…
إذا نفحت شيخاً روائحها شبا
لها بثرُ الدر الذي قُلدت به
…
ولم أر بدراً قبلها قُلّد الشهبا
فيا شوقُ ما أبقى ويالي من النوى
…
ويا دمع ما اجرى ويا قلبُ ما أصبى
لقد لعب البينُ المشتُّ بها وبي
…
فزودني في السير ما زوَّد الضبا
ومن تكن الاسد الضواري جدوده
…
يكن ليلةً صبحاً ومطعمه غصبا
ولستُ أبالي بعد إدراكي العلى
…
أكانَ تراثاً ما تناولت أم كسبا
فربَّ غلامِ علَّم المجد نفسهُ
…
كتعليم سيف الدولةِ الطعن والضربا
إذا الدولة استكفت به في ملمةٍ
…
كفاها فكان السيف والكف والقلبا
تُهاب سيوف الهند وهي حدائدٌ
…
فكيف إذا كانت نزاريَّة عَربا
ويرهب ناب الليث والليث وحده
…
فكيف إذا كانت الليوث له صحبا
ويُخشى عبابُ البحر وهو مكانهُ
…
فكيف بمن يغشى البلاد إذا عبَّا
عليمٌ بأسرار الديانات واللَّغى
…
له خطرات تفضحُ الناسَ والكتبا
فبورِكتَ من غيثٍ كأنَّ جلودنا
…
به تَنبتُ الديباج والوشيَ والعّصبا
ومن واهبٍ جَزلاً ومن زاجر هلَا
…
ومن هاتكٍ درعاً ومن نثر قُضبا
هنيئاً لأهل الثغر رأيك فيهم
…
وأنك حزب الله صرت لهم حزبا
وأنك رعت الدهرَ فيها وربيه
…
فأن شكَّ فليحدث بساحتها خطبا
فيوماً بخيلٍ تطرد الروم عنهُمُ
…
ويوماً بجودٍ يطرد الفقر والجدبا