الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعلم يا أخي انك لن تكتسب أعز الله المحامد وتستوجب الشرف إلا بالجمل على النفس والحال، والنهوض بحمل الأثقال، وبذل الجاه والمال، ولو كانت المكارم تنال بغير مؤنة لاشترك فيها السفل والأحرار، وتساهمها الوضعاء من ذوي الأخطار، ولكن الله تعالى خص بها الكرماء الذين جعلهم أهلها، فخفف عليهم حملها، وسوغهم فضلها، وحظرها على السفلة لصغر أقدارهم عنها، وبعد طباعهم منها ونفورها منهم.
فائدة
قال معاوية رضي الله عنه لصعصعة بن صوحان: صف لي عمر ابن الخطاب فقال: كان عالماً برعيته، عادلاً في قضيته، عارياً من الكبر، قبولاً للعذر، سهل الحجاب، مصون الباب، متحرياً لصواب، رفيقاً بالضعيف، غير محارب للقريب، ولا جاف للغريب.
قيل للأحنف بن قيس: من تعلمت الحلم؟ فقال: من قيس بن عاصم المنقري رأيته قاعداً بفناء بيته، محتبياً بحمائل سيفه، يحدث قومه إذا أتي برجل مكتوف، ورجل مقتول، فقيل له: هذا ابن أخيك قتل ابنك، فوالله ما حل حبوته، ولا قطع كلامه، ثم التفت إلى ابن أخيه، فقال يا ابن أخي بئس ما فعلت أثمت بربك، ورميت نفسك بسهمك، وأشمت عدوك، ونقصت عددك، قتلت ابن عمك. ثم قال لابن له آخر: قم يا بني فوار أخاك، وحل كتاف ابن عمك، وسق إلى أمه مئة من الإبل دية ابنها، فإنها غريبة عندنا فلعلها أن تسلو ثم أنشد:
إني امرؤ لا يطبي نسبي
…
دنس يهجنه ولا أفن
من منقر في بيت مكرمة
…
والغصن ينبت حوله الغصن
خطباء حين يقول قائلهم
…
بيض الوجوه أعفة لسن
لا يفطنون لعيب جارهم
…
وهم لحفظ جواره فطن
وقال رجل للأحنف بن قيس: علمني الحلم. فقال: هو الذل يا ابن أخي، أتصبر عليه؟ وقال رجل للأحنف: انك لحليم. فقال: لست بحليم، ولكني أتحتالم، والله إني لأسمع الكلمة، فأحم لها ثلاثة أيام، ما يمنعني من ردها إلا مخافة أن أسمع شراً منها. وقيل له: من أحلم أنت أم معاوية. فقال: ما رأيت أجهل منكم معاوية يقدر ويحلم، وأنا أحلم ولا أقدر، فكيف أقاس به أو أدانيه؟ وقال هشام بن عبد الملك لخالد بن صفوان: بم بلغ الأحنف فيكم ما بلغ؟ قال: إني شئت أخبرتك بواحدة، وان شئت باثنتين، وان شئت بثلاث. قال: ما الواحدة؟ قال: كان أقوى الناس على نفسه. قال: ما اثنتان؟ قال: كان موقى الشر، ملقى الخير. قال: فما الثلاث؟ قال كان لا يجهل، ولا يبغي، ولا يبخل.
فائدة من كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
قال: ثلاث يثبتن لك الود في قلب صاحبك، أن تبدأه بالسلام، وان توسع له في المجلس، وان تدعوه بأحب الأسماء إليه، وقال رضي الله عنه: كفى الله عنه: كفى بالمرء عيباً أن تكون فيه خلة من ثلاث أن يعيب بشيء ثم يأتي بمثله، أو يبدو له من أخيه ما يخفى عليه من نفسه، أو يؤذي جليسه بما لا يعنيه؟
فائدة من كلام علي بن أبي طالب رضي الله عنه
من لانت كلمته وجبت محبته، وقيمة كل إنسان ما يحسنه ومن كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ثلاث من كن فيه، فقد كمل: من لم يخرجه غضبه عن طاعة الله، ولم يستنزله رضاه إلى معصية الله، وإذا قدر عفّ وكف.
ومن كلام الحسن البصري: نعم الله أكثر من أن تشكر إلا ما أعان عليه، وذنوب ابن آدم أكثر من أن يسلم منها إلا ما عفا الله عنه.
ولبعضهم في الصبر والاحتمال
تعز فان الصبر بالحر أجمل
…
وليس على ريب الزمان معول
وعاقبة الصبر الجميل جميلة
…
وأفضل أخلاق الرجال التجمل
فلو كان يغني أن يرى امرأً جازعاً
…
لنائبة أو كان يغني التبذل
لكان التعزي عند كل مصيبة
…
ونازلة بالحر أولى وأجمل
فكيف وكل ليس يعدو حمامه
…
وما لامرئ مما قضى الله مرحل
فان تكن الأيام فينا تبدلت
…
ببؤسى ونعمى والحوادث تفعل
فما لينت منا قناة صليبة
…
ولا ذللتنا للذي ليس يجمل
ولكن رحلناها نفوساً كريمة
…
تحمل ما لا يستطاع فتحمل
وقينا بفضل الله منا نفوسنا
…
فصحت لنا الأعراض والناس هزل
ومن قول أبي الفتح البستي:
وإذا هممت فناج نفسك بالمنى
…
وعداً فخيرات الجنان عدات
واجعل رجاءك دون يأسك جنةً
…
حتى تزول بهمك الأوقات
واسترعن الجلساء همك انما
…
جاساؤك الحساد والشمات
ودع الأوقع للحوادث انه
…
للحي من قبل الممات ممات
فالهم ليس له ثبات مثلما
…
في أهله ما للسرور ثبات
لولا مغالطة النفوس عقالها
…
لم يصف للمتيقظين حياة
وقال أيضا:
بحفظ الجسم تبقى النفس فيه
…
بقاء النار تحفظ بالوعاء
فبالبأس الممض فلا تمتها
…
ولا تمدد لها حبل الرجاء
وعدها في شدائدها رخاء
…
وذكرها الشدائد في الرخاء
يعد صلاحها هذا وهذا
…
وبالترتيب منفعة الدواء
وللبيد:
أكذب النفس إذا حدثتها
…
أن صدق النفس مزر بالأمل
قال أبو الفرج: روي انه جاء الكميت الشاعر إلى الفرزدق فقال له: يا عم إني قد قلت قصيدة أريد أن اعرضها عليك قال قل فانشده:
طربت وما شوقاً إلى البيض اطرب
…
ولا لعباً مني وذو الشوق يلعب؟
فقال الفرزدق ولماذا لم تطرب فقال:
ولم تلهني دار ولا رسم منزل
…
ولا يزدهي قلبي بنان مخضب
فقال الفرزدق: أجماد أنت ويحك؟ فقال:
ولا أنا ممن يزجر الطير همه
…
أصاح غراب أم تعرض ثعلب
ولا السانحات البارحات عشية
…
أمر سليم القرن أم مر أعضب
ولكن إلى أهل الفضائل والنهى
…
وخير بني حاء والخير يطلب
فقال الفرزدق: م هؤلاء لا أم لك فقال:
إلى النفر البيض الذين بحبهم
…
إلى الله فيما نابني أتقرب
فقال الفرزدق من هم أرحني؟ فقال:
بني هاشم رهط النبي فإنني
…
بهم ولهم أرضى مراراً وأغضب
فقال الفرزدق: لو جزتهم إلى سواهم لذهب شعرك باطلاً ومنها:
خفضت لهم مني جناح مودة
…
إلى كنف عطفاه أهل ومرحب
ومالي إلا آل أحمد شيعة
…
ومالي إلا مذهب الحق مذهب
بأي كتاب أم بأية سنة
…
يرى حبهم عاراً علي ويحسب
يشيرون بالأيدي إلي وقولهم
…
إلا خاب هذا والمشيرون أخيب
روي انه حج هشام بن عبد الملك، وأراد استلام الحجر، فلم يصل إليه إلا بعد زحام، ثم وضع له كرسي، وجلس فجاء زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما، فلما أراد استلام الحجر تنحى الناس عنه، فسأل هشام من كان عنده عنه فقالوا: لا نعرفه، وكان الفرزدق حاضراً، فقال: أنا أعرفه يا أمير المؤمنين فقال من هو فأنشد:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته
…
والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم
…
هذا التقي النقي الطاهر العلم
وليس قولك من هذا بضائره
…
والعرب تعرف من أنكرت والعجم
إذا رأته قريش قال قائلها
…
إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
يكاد يمسكه عرفان راحته
…
ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته
…
فلا يكلم إلا حين يبتسم
بكفه خيزران ريحه عبق
…
من كف أروع في عرنينه شمم
ينشق نور الهدى عن نور غرته
…
كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم
من معشر حبهم دين وبغضهم
…
إثم وقربهم منجى ومعتصم
أن عد أهل التقى كانوا أئمتهم
…
أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا ينقص العدم بسطاً من أكفهم
…
سيان ذلك أن أثروا وان عدموا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت
…
والأسد أسد الشرى والبأس محتدم
مقدم بعد ذكر الله ذكرهم
…
في كل أمر ومختوم به الكلم
وللشريف ارضي:
لغير العلى مني القلى والتجنب
…
ولولا العلى ما كنت في العيش أرغب
إذا الله لم يعذرك فيما ترومه
…
فما الناس إلا عاذل أو مؤنب
ملكت بحلمي فرصة ما استرقها
…
من الدهر مفتول الذراعين أغلب
فان تك سني ما تطاول باعها
…
فلي من وراء المجد قلب مدرب
فحسبي أني في الأعادي مبغض
…
واني إلى غر المعالي محبب
وللحلم أوقات وللجهل مثلها
…
ولكن أوقاتي إلى الحلم أقرب
يصول علي الجاهلون وأعتلي
…
ويعجم في القائلون وأعرب
يرون احتمالي غصة ويزيدهم
…
لواعج ضغن إنني لست أغضب
وأعرض عن كأس النديم كأنها
…
وميض غمام غائر المزن خلب
وقور فلا الألحان تأسر عزمتي
…
ولا تمكر الصهباء بي حين أشرب