الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ملك الملك الصالح عماد الدين إسماعيل- ابن الملك العادل- دمشق، ووصول الملك الكامل إليها وحصار دمشق وأخذها وتعويض الصالح عنها
لما مات الملك الأشرف: مظفر الدين موسى- رحمه الله تعالى- ملك دمشق بعده- بوصية منه- أخوه الملك الصالح: عماد الدين إسماعيل، الملقب بأبى الخيش! وإنما لقّب بذلك، لأنه- فيما حكى عنه- كان يملأ خيشة تبنا ويبيّتها فى الماء، ثم يطعنها برمحه فيرفعها عليه. فلقب بذلك.
ولما انفصلت أيام عزاء الملك الأشرف، ركب الملك الصالح إسماعيل بشعار السلطنة، وترجّل الناس فى ركابه، وأسد الدين شيركوه صاحب حمص إلى جانبه، وحمل الأمير عز الدين أيبك- صاحب صرخد- الغاشية «1» بين يديه. ثم عاد كل منهما إلى مملكته، واستقر هو بدمشق.
وصادر جماعة من أهلها، اتهمهم بمكاتبة الملك الكامل: منهم العلم تعاسيف «2» وأولاد مزهر وابن عريف البدرى، واستصفى أموالهم. وأفرج
عن الشيخ على الحريرى من الاعتقال بقلعة عزّتا- وكان الملك الأشرف قد اعتقله بها فى سنة ثمان وعشرين وستمائة- فأفرج عنه الآن، ومنعه من الدخول إلى دمشق.
وأما الملك الكامل فإنه لما بلغه وفاة أخيه الملك الأشرف، سر بذلك سرورا عظيما، لما كان قد وقع بينهما من الوحشة التى تأكدت أسبابها- وقد تقدم ذكرها. فتجهز بعساكر الديار المصرية وتوجه من قلعة الجبل، لقصد دمشق، فى ثالث عشرين صفر. ولما اتصل خبره بالملك الصالح حصّن دمشق، وقسم الأبراج على الأمراء، وغلّق أبواب المدينة. وجاء الأمير عز الدين أيبك من صرخد، وأمر بفتح الأبواب ففتحت.
ووصل الملك الكامل بعساكره، ونزل عند مسجد القدم. ونزل الملك الناصر داود بالمزّة «1» ، ونزل مجير الدين وتقىّ الدين ابنا الملك العادل بالقابون «2» ، وهم فى طاعة الملك الكامل. وأحدقت العساكر بدمشق،
وقطع الملك الكامل عنها المياه. وردّ ماء بردى «1» إلى ثورا «2» . وشدد الحصار، فغلت الأسعار. وسد الصالح أبواب دمشق، إلا بابى الفرج والنصر. وتقدم الملك الناصر داود إلى باب توما، وعمل النّقوب فيه. ولم يبق إلا فتح البلد.
فأرسل الملك الكامل إليه فخر الدين بن الشيخ، فرده عنها، ورحّله إلى أرض برزه. «3» وأحرق الصالح إسماعيل قصر حجّاج والشّاغور، وأخرب ظاهر دمشق خرابا لم يعهد مثله. واحترق جماعة من سكان هذه الجهات فى دورهم، ومن سلم منهم لم يبق له ما يرجع إليه إلا الكدية وسؤال الناس.
وحكى أن الصالح- أو ابنه- وقف على العقيبة «4» ، وقال للزّرّاقين «5» أحرقوها، فضربوها بالناس. وكان لرجل من سكانها عشر بنات، فقال لهن: اخرجن، فقلن لا والله، النار ولا العار، ما نفتضح بين الناس! فاحترقت الدار وهم فيها، فاحترقوا. وجرى من الخراب بظاهر دمشق ما لم يحر مثله قبل ذلك.
ثم راسل الملك الصالح أخاه الملك الكامل يقول: بلغنى أنك تعطى دمشق للملك الناصر داود وأنت أحق بها، وان أنت لم تعطنى ما أريد، وإلا ضربت قوارير النّفط فى أربع جوانب دمشق وأحرقتها، وأحرقت قلعتها، وأخرّبها خرابا لا تعمر بعده أبدا. فعلم الملك الكامل من جرأته أنه يفعل، فأعطاه ما طلب.
ودخل بينهما الشيخ محيى الدين بن الجوزى- رسول الخليفة- وكان بدمشق- فوقع الاتفاق والصلح على أن الملك الكامل أقرّ بيد أخيه الملك الصالح بصرى «1» والسّواد «2» ، وأعطاه بعلبك وأعمالها. ولو طلب أكبر من ذلك أعطاه، خوفا من أن يحرق دمشق.
وتسلم الملك الكامل دمشق، ودخلها فى عاشر جمادى الأولى- وقيل فى أواخر الشهر المذكور. وأفرج عن الفلك المسيرى، وكان الملك الأشرف قد اعتقله فى حبس الحيّات. ولما دخل الملك الكامل إلى دار رضوان بقلعة دمشق، رأى قبر أخيه الأشرف فرفسه برجله وسبّه، وقال انقلوه الساعة.
فنقلوه إلى الكلّاسة.
ولما ملك الملك الكامل دمشق، عزم على قصد حمص، لاتفاق صاحبها الملك المجاهد شيركوه، فيما مضى، مع الأشرف. فصالحه الملك المجاهد على أن يحمل إلى خزانته ألف درهم، ودخل عليه بالنساء، فأجاب الملك إلى ذلك. ومات الكامل قبل حمل المال.