الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستهلّت سنة اثنتين وأربعين وستمائة:
ذكر الواقعة الكائنة بين عسكر مصر- ومن معه من الخوارزمية- وبين عسكر الشام- ومن شايعهم من الفرنج، وانهزام الفرنج وعسكر الشام، على غزّه
قد ذكرنا وصول الخوارزمية إلى الشام، ونزولهم على غزّه.
ولما استقروا بها، أرسل إليهم السلطان الملك الصالح النفقات والخلع والكساوى، وطائفة من العسكر المصرى. فاتفق الملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق، والملك المنصور صاحب حمص، والملك الناصر داود صاحب الكرك، وراسلوا الفرنج. وكان الصالح إسماعيل قد سلّم إليهم من الحصون ما تقدم ذكره. ووعدهم الآن أنه متى ملك الديار المصرية، أعطاهم الأعمال الساحليّة بأسرها. واستقر ذلك بينهم وبين الملوك الثلاثة المذكورين.
وخرج الملك المنصور- صاحب حمص- بعسكره وعساكر دمشق.
وأقام الصالح بدمشق. وجهّز الملك الناصر داود عسكره من نابلس- صحبة الظهير سنقر الحلبى والوزيرىّ، وأقام هو بالكرك. واجتمعت هذه العساكر، وعساكر الفرنج: الدّيويّة والإسبتار والكنود «1» ، على يافا. والعسكر المصرى والخوارزمية على غزّه.
قال أبو المظفّر: وساق صاحب حمص وعسكر دمشق، تحت أغلام الفرنج- وعلى رءوسهم الصّلبان، والأقساء «1» فى الأطلاب «2» يصلّبون «3» على المسلمين ويقسّسّون عليهم، وبأيديهم كئوس الخمر والهنّابات «4» يسقونهم. وساق العسكر المصرى والخوارزمية. والتقوا بمكان يقال له أربيا «5» - بين غزّة وعسقلان.
وكان الفرنج فى الميمنة، وعسكر الناصر داود فى الميسرة، وصاحب حمص فى القلب. وكان يوما عظيما، لم يجر فى الإسلام بالشام مثله، واقتتلوا. فانكسرت الميسرة، وهرب الوزيرى، وأسر الظّهير سنقر الحلبى وجرح فى عينه. ثم انهزم صاحب حمص. وكان العسكر المصرى قد انهزم، ووصل إلى قرب العريش. وثبت الخوارزمية والفرنج، واقتتلوا، فمالت الخوارزمية عليهم بالسيوف، يقتّلونهم كيف شاءوا.
قال أبو المظفّر: وكنت يوم ذاك بالقدس، فتوجهت فى اليوم الثانى من الكسرة إلى غزة، فوجدت الناس يعدّون القتلى بالقصب، فقالوا: إنهم يزيدون على ثلاثين ألفا.
وبعث الخوارزمية بالأسارى والرءوس إلى الديار المصرية. وفى جملة الأسرى الظّهير سنقر وجماعة من المسلمين. وكان يوم وصولهم إلى القاهرة يوما مشهودا. وعلّقت رءوس القتلى على الأسوار، وامتلأت الحبوس بالأسرى.
ووصل صاحب حمص إلى دمشق فى نفر يسير، ونهبت خزانته وخيله وسلاحه، وقتل أكثر أصحابه. فكان يقول: والله لقد علمت، حيث سقنا تحت أعلام الفرنج- أننا لا نفلح! وفى هذه السنة، توفى شيخ الشيوخ: تاج الدين أبو محمد عبد الله بن عمر بن على بن محمد بن حمّويه، بن محمد بن محمد بن أبى نصر بن أحمد، بن حمّويه بن على. وكانت وفاته بدمشق، فى سادس صفر.
وصلّى عليه بجامعها، ودفن بمقابر الصّوفية. ومولده يوم الأحد، رابع عشر شوال، سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة.
وهو عمّ الأمراء: فخر الدين، وعماد الدين، ومعين الدين، وكمال الدين: أولاد صدر الدين شيخ الشيوخ. وكان شيخا حسنا متواضعا، عالما فاضلا، نزها عفيفا أديبا، صحيح الاعتقاد، شريف النفس عالى الهمة، قليل الطمع، لا يلتفت إلى أحد من أبناء الدنيا، لا إلى أهله ولا إلى غيرهم، بسبب دنياهم. وصنف التاريخ وغيره- رحمه الله تعالى.
وفيها توفى الأمير عمر: بن الملك المظفر شهاب الدين غازى، بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر بن أيوب. وكان يلقّب: بالملك السعيد.
وكان شابا حسن الأخلاق، جميل الصورة، جوادا شجاعا.