الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الحرب الكائنة بين الملك المعز والملك الناصر صاحب الشام، وانتصار المعز
وفى سنة ثمان وأربعين وستمائة، كانت الحرب بين السلطان الملك المعزّ وبين الملك الناصر- صاحب الشام.
وسبب ذلك أن الملك الناصر، لما استولى على دمشق فى هذه السنة- كما قدّمنا فى أخباره- أشار عليه أتابكه- شمس الدين لؤلؤ- والأمراء القيمرية، بقصد الديار المصرية. فسار من دمشق. واتصل خبره بالملك المعز، فخرج إليه بعساكر الديار المصرية. والتقيا على منزلة الكراع، بالقرب من الخشبى «1» .
واقتتل العسكران، فى يوم الخميس، العاشر من ذى القعدة من السنة.
فكانت الهزيمة على العسكر المصرى. ووصلت طائفة من العسكر المصرى إلى القاهرة. ومنهم من فرّ إلى جهة الصعيد. وثبت الملك المعز، واختار من عسكره ثلاثمائة فارس، وحمل بهم على صناجق الملك الناصر، طمعا أن يكون بجهتها فيظفر به. وكان الملك الناصر تحيّز إلى فئة، واعتزل المعركة خوفا على نفسه، واحتياطا لها. فلما عاين حملة الملك المعز، وشاهد إقدامه، انهزم، ورجع إلى الشام- كما تقدم.
وساقت الأمراء العزيزيّة- مماليك والده- بأطلابهم «1» إلى خدمة الملك المعزّ، ودخلوا فى طاعته، وهم: الأمير جمال الدين أيدغدى العزيزى، والأمير شمس الدين أقش البرلى، والأمير شمس الدين أقش الحسامى، وأمثالهم. وكان سبب انصرافهم عن سلطانهم الملك الناصر أنه أضافهم، يوم الحرب، إلى طلب «2» الأمير شمس الدين لؤلؤ- أتابكه- فعزّ ذلك عليهم، وفارقوا خدمة الملك الناصر.
قال: واجتمع الأمراء القيمريّة، وغيرهم، إلى شمس الدين لؤلؤ، وهنّوه بالنصر على زعمهم- وتفرقت جماعتهم فى طلب المكاسب. فلم يبق معهم من مماليكهم إلا نفر قليل. فصادفهم الملك المعزّ بمن معه من عسكره، فقاتلهم. فقتل شمس الدين لؤلؤ، وجماعة من الأمراء القيمرية، وهم: حسام الدين، وصارم الدين، القيمريّان، وسعد الدين الحميدى، ونور الدين الزّرزارى، وجماعة من أعيان مماليك الملك الناصر.
وقتل أيضا تاج الملوك، بن الملك المعظم تورانشاه.
وأسر جماعة، وهم: الملك الصالح بن العادل سيف الدين أبى بكر ابن أيوب. ثم قتله الملك المعز فى سنة تسع وأربعين، ودفنه بالقرافة. وأسر أيضا الملك المعظم تورانشاه، بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، وأخوه نصرة الدين، والملك الأشرف صاحب حمص، وشهاب الدين بن حسام الدين القيمرى، وغيرهم.
وأما بقية الأمراء الناصرية، فانهم ما علموا بشىء من ذلك. بل ساقوا خلف من انهزم من العسكر، إلى أن وصلوا إلى العبّاسة «1» وخيّموا بها. ثم بلغهم الخبر فرحلوا بمكاسبهم وأثقالهم. قال: ولما انتصر الملك المعز، وقتل من قتل، وأسر من أسر، ساق إلى العبّاسة ليلتحق بعساكره.
فرأى دهليز الملك الناصر وعساكره قد خيم على العبّاسة، فعرّج عن طريقها.
وسار على طريق العلاقمة «2» إلى بلبيس فلم يجد بها من العسكر أحدا. وبلغه أن منهم من دخل إلى القاهرة، ومنهم من انهزم إلى الصعيد. فنزل على بلبيس بمن كان معه، إلى أن تحقق عود من سلم من العسكر الشامى. وعاد الملك المعز إلى قلعة الجبل، مؤيدا منصورا.
قال: ولما طلع إلى القلعة، وجد جماعة من الأمراء المعتقلين بها، لمّا بلغهم وصول المنهزمين من العسكر المصرى، ظنوا أن الهزيمة تستمر، فخطبوا للملك الناصر على منبر الجامع بالقلعة، فى يوم الجمعة حادى عشر ذى القعدة من السنة. فعظم ذلك على الملك المعز، وشنق الأمير ناصر الدين إسماعيل بن يغمور الصالحى، وأمين الدولة وزير الملك الصالح، على شراريف قلعة الجبل- وكانا من جملة المعتقلين بها- ومن أشار بالخطبة للملك الناصر. ثم أخرج جميع من دخل إلى القاهرة من العسكر الناصرية، وأعادهم إلى دمشق على دوابّ- وكانوا ثلاثة آلاف نفس- ولم يركب أحدا منهم فرسا، إلا نور الدين بن الشجاع الأكتع، وأربعة من مماليك الملك الناصر.