الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لؤلؤ- إلى حلب نائبا بها، ونعته بالملك السعيد- لمشاركة النّعت. وأقر الملك المنصور بن الملك المظفر على مملكته بحماه. وأقطع البلاد الشامية والحلبية.
وأصلح ما اضطرب من الأمور. وعاد لقصد الديار المصرية، فقتل- قبل وصوله إليها.
ذكر مقتل السلطان الملك المظفر سيف الدين قطز، ونبذة من أخباره
كان مقتله- رحمه الله تعالى- فى يوم السبت، الخامس عشر من ذى القعدة، سنة ثمان وخمسين وستمائة- وقيل فى سابع عشر الشهر.
وذلك أنه لما قرّر أمور الشام، ورتب الملوك والنواب والممالك، عاد من دمشق لقصد الديار المصرية، فى سادس عشر شوال. فلما وصل إلى منزلة القصير من منازل الرّمل «1» ، ركب إلى الصيد. وكان الأمير بدر الدين أنص الأصفهانى، وجماعة معه، تظافروا هم والأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى، على اغتياله. فقصدوه- وهو فى الصيد- وقتلوه غيلة!
وحكى فى كيفية قتله: أنه كان قد تغير خاطره على الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى. فلما تقدّم الأمراء إليه، سأله الأمير بدر الدين أنص الرضا عن الأمير ركن الدين. فقال: قد رضيت عنه. فترجل الأمير ركن الدين ليقبّل يده. فلما تناولها قبض عليها، وجذبه عن سرجه، وبدره أولئك الأمراء بالضرب، فقتلوه- رحمه الله تعالى.
ويقال: إن الأمراء الذين اتفقوا على قتله [هم] : الأمير سيف الدين بلبان الرّشيدى، والأمير سيف الدين بهادر المعزّى- خوشداشه «1» - والأمير بدر الدين بكتوت الجو كان دار «2» المعزّى، والأمير سيف الدين بيغان الرّكنى، والأمير سيف الدين بلبان الهارونى، ومن ذكرنا.
وكان الملك الظاهر يدّعى أنه هو الذى قتله بيده. وقال جماعة: إنه لم يباشر قتله، وإنما كان يدّعى ذلك، افتخارا. وقد نقل أن الملك الظاهر لما قبض على يده، ضربه الأمير بدر الدين بكتوت الجو كان دار على عاتقه بالسيف، فأبانه. وألقاه الأمير بدر الدين أنص عن فرسه. ثم رماه الأمير سيف الدين بهادر المعزّى بسهم، أتى على روحه- رحمه الله تعالى. فكأنه المعنى بقول الشاعر:
وما كان إلا السيف، لاقى ضريبة «3»
…
فقطّعه، ثم انثنى فتقطّعا
وكانت مدة ملكه أحد عشر شهرا، وسبعة عشر يوما.
وأما غير ذلك من أحواله- رحمه الله تعالى-: فقد حكى أنه كان من أولاد الملوك الخوارزميّة. وأنه محمود بن ممدود، ابن أخت السلطان خوارزم شاه. وإنما أبيع، لما استولى التتار على البلاد، وملكوا ملك الخوارزميّة. وقتلوا الرجال وأسروا النساء والصبيان، وكان هو ممن أسر وأبيع. وقد كان هو يصرّح بذلك- فيما حكى عنه- ويستكتم من يحكيه له.
وقد نقل الشيخ شمس الدين: محمد بن إبراهيم بن أبى بكر بن إبراهيم ابن عبد العزيز، بن أبى الفوارس الجزرى، ثم الدّمشقى- فى تاريخه:
«حوادث الزمان وأنبائه» أن والده أخبره أن الحاج على الفرّاش أخبره، قال:
لما كان قطز فى رقّ ابن الزّعيم «1» بدمشق- وكان سكنه بالقصّاعين «2» - غضب عليه فى بعض الأيام فلطم وجهه، ولعبة ولعن والديه وجدّه. قال: فبكى قطز بكاء شديدا، وجعل ينتحب طول نهاره، وامتنع من الأكل. وركب أستاذه بعد صلاة الظهر إلى الخدمة، فقال لى:
استرضه وأطعمه، واعتبه على بكائه.
قال الفرّاش: فجئت إليه وجعلت ألومه على بكائه من لطمة واحدة، فكيف لو ضربت ألف عصاة أو دبّوس، أو جرحت بسيف؟! فقال: والله ما بكائى وغيظى من أجل لطمة، وإنما كونه لعن أبى وأمى وجدى. فقلت له: ومن أبوك وجدك وأمك؟ فقال: والله أبى خير من أبيه، وأمى خير من أمه، وجدى خير من جده. فقلت له: أنت مملوك تركى، كافر بن كافرين.
فقال: والله، ما أنا إلا مسلم، ابن مسلمين: أنا محمود بن ممدود، ابن أخت خوارزم شاه، من أولاد الملوك. قال: فسكتّ عنه وطايبته.
وتقلّبت به الأحوال، إلى أن ملك الديار المصرية والشام. ولما ملك دمشق أحسن إلى الحاج على الفراش المذكور، وأعطاه خمسمائة دينار، ورتب له راتبا جيّدا.
قال الشيخ شمس الدين: وقد حكى لى ولوالدى، هذه الحكاية عنه. هذا معنى كلامه ولفظه.
ومما يؤيّد هذه الحكاية أيضا- ويشهد لها- ما حكاه الشيخ شمس الدين- المذكور- عن والده، قال: حكى لى الحاج أبو بكر بن الدّريهم الإسعردى، والحاج زكى الدين إبراهيم الجزرى- المعروف بالجبيلى، أستاذ الفارس أقطاى- قالا:
كنا عند الأمير سيف الدين قطز فى أول دولة أستاذه: الملك المعزّ، وقد حضر عنده منجّم ورد من بلاد المغرب- وهو موصوف بالحذق فى علم الرّمل والفلك. فأمر قطز أكثر من عنده من حاشيته بالانصراف، فانصرفوا.
وهممنا بالقيام، فأمرنا بالجلوس، فجلسنا. وما ترك عنده إلا من يثق به من خواصّه. وقال للمنجّم: اضرب الرمل. ففعل. وحدّثه بأشياء كثيرة، مما كان فى نفسه.
وكان آخر ما قال له: اضرب وانظر من يملك بعد أستاذى، ومن يكسر التتار؟ فضرب، وحسب حسابا طويلا، وبقى يفكر ويعدّ أصابعه.
وقال: قد طلع معى خمس حروف بغير نقط، وأبوه أيضا خمس حروف بغير نقط. وأنت اسمك ثلاث حروف، وابن السلطان كذلك. فقال له: لم لا تقول: محمود بن ممدود؟ فقال المنجم: لا يقع غير هذا الاسم. فقال قطز: أنا محمود بن ممدود. وأنا أكسر التتار، وآخذ بثأر خالى خوارزم شاه.
ثم استكتمنا هذا الأمر. وأنعم على المنجم بثلاثمائة درهم، وصرفه.
وحكى عن المولى المرحوم تاج الدين أحمد بن الأثير- رحمه الله تعالى- ما معناه:
أن الملك صلاح الدين يوسف صاحب الشام- رحمه الله تعالى- لما كان على برزة «1» ، فى أواخر سنة سبع وخمسين وستمائة- وصل إليه قصّاد «2» من الديار المصرية، بكتب، تتضمن أن قطز قد تسلطن وملك الديار المصرية، وقبض على الملك المنصور بن أستاذه الملك المعز. قال القاضى تاج الدين: فطلبنى السلطان- رحمه الله فقرأت عليه الكتب.
فقال لى: خذ هذه الكتب، وتوجه إلى الأمير ناصر الدين القيمرى، والأمير جمال الدين بن يغمور، وأوقف كلّا منهما عليها. قال: فأخذتها وخرجت من عنده. فلما بعدت عن الدّهليز، لقينى حسام الدين البركة خانى «1» ، فسلم على، وقال، جاءكم بريد أو قصّاد من الديار المصرية فورّيت «2» ، وقلت: ما عندى علم بشىء من هذا. قال: قطز يتسلطن، ويملك الديار المصرية، ويكسر التتار. قال القاضى تاج الدين: فعجبت من كلامه، وقلت له: ايش هذا القول؟ من أين لك هذا؟
قال: والله، هذا قطز هو خوشداشى «3» . كنت أنا واياه عند الهيجاوى من أمراء مصر، ونحن صبيان وكان عليه قمل كثير، فكنت أسرّح رأسه- على أننى كلما أخذت عنه قملة، آخذ منه فلسا أو صفعة. فلما كان بعض الأيام أخذت عنه قملا كثيرا، وشرعت أصفعه، ثم قلت فى غضون ذلك: والله ما أشتهى إلا أن الله يرزقنى إمرة خمسين فارسا، فقال لى: طيّب قلبك، أنا أعطيك إمرة خمسين فارسا. فصفعته، وقلت:
والك «4» ، أنت تعطينى إمرة؟! قال نعم! فصفعته! فقال لى: والك، ايش يلزم لك إلا إمرة بخمسين فارس، أنا والله، أعطيك. قلت: والك، كيف تعطينى؟.
قال: أملك الديار المصرية: قلت: تملك الديار المصرية؟! قال: نعم، رأيت النبى- صلى الله عليه وسلم فى المنام، وقال لى: أنت تملك الديار المصرية، وتكسر التتار. وقول النبى صلى الله عليه وسلم لا شك فيه. فسكت. وكنت أعرف منه الصّدق فى حديثه وعدم الكذب.
وتنقّلت به الأحوال، وارتفع شأنه. إلى أن صار هو المحتكم فى الدولة. وما أشك أنه يملك الديار المصرية- مستقبلا- ويكسر التتار- كما أخبره النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام.
قال القاضى تاج الدين: فلما قال لى هذا القول، قلت له: والله قد وردت الأخبار أنه تسلطن فى الديار المصرية. قال لى: والله، وهو يكسر التتار. فما مضى إلا مدة يسيرة، حتى خرج وكسر التتار.
قال المولى تاج الدين- رحمه الله فرأيت الأمير حسام الدين البركة خانى، الحاكى لى- بعد ذلك- بالديار المصرية، بعد كسرة التتار. فسلّم على وقال لى: تذكر ما قلت فى الوقت الفلانى؟ قلت: نعم. قال: والله، حالما عاد الملك الناصر «1» من قطيا «2» ، ودخلت أنا إلى الديار المصرية، أعطانى إمرة خمسين فارسا، كما قال- رحمه الله لا زايد على ذلك.
وقد ذكر هذه الحكاية الشيخ قطب الدين اليونينى «3» فى تاريخه، وقال أيضا:
وحكى لى الأمير عز الدين بن أبى الهيجا ما معناه: أن الأمير سيف الدين بلقاق حدثه، أن الأمير بدر الدين بكتوت الأتابكى حكى له، قال:
كنت أنا والملك المظفر قطز، والملك الظاهر ركن الدين بيبرس- رحمهم الله تعالى- فى حال الصّبا، كثيرا ما نكون مجتمعين فى ركوبنا وغير ذلك. فاتفق أن رأينا منجّما فى بعض الطرق بالديار المصرية. فقال له الملك المظفر: أبصر نجمى. فضرب بالرمل وحسب، وقال له: أنت تملك هذه البلاد، وتكسر التتار! فشرعنا نهزأ به. ثم قال له الملك الظاهر: فأبصر نجمى. فضرب بالرمل وحسب، وقال: وأنت تملك الديار المصرية وغيرها. فتزايد استهزاؤنا به! ثم قالا لى: لا بد أن يبصر نجمك. فقلت له أبصر لى. فضرب وحسب، وقال لى: وأنت تحصل لك إمرة بمائة فارس، يعطيك هذا- وأشار إلى الملك الظاهر. فاتفق أن الأمر وقع كما قال. وهذا من عجيب الاتفاق.
قال الشيخ قطب الدين اليونينى- نفع الله به-:
وكان السلطان الملك المظفّر بطلا شجاعا، ولم يكن يوصف بشح ولا كرم، بل كان متوسطا. وهو أول من أجترأ على التتار، وكسرهم، بعد خوارزم شاه، كسرة عظيمة، جبر بها الإسلام.
قال: ومما حكى لى عنه: أنه قتل فى يوم المصافّ «1» جواده بعين جالوت، ولم يصادف فى تلك الساعة أحد من أوشاقيّته «2» ، الذين معهم جنائبه، فبقى راجلا. ورآه بعض الأمراء الشجعان، فترجل عن حصانه وقدمه له ليركبه. فامتنع، وقال له ما معناه: ما كنت لآخذ حصانك فى هذا الوقت، وأمنع المسلمين الانتفاع بك، وأعرضك للقتل. وحلف عليه أن يركب فرسه. فامتثل أمره، وركب. ووافاه الأوشاقيّة بالجنائب «3» ، فركب جنيبا.
فلامه بعض خواصّه على ذلك، وقال: لو صادفك- والعياذ بالله- بعض المغل، وأنت على الأرض راجلا، كنت رحت، وراح الإسلام! فقال:- أما أنا فكنت أروح إلى الجنة- إن شاء الله تعالى. وأما الإسلام، فما كان الله عز وجل ليضيعه. فقد مات الملك الصالح، وقتل ولده الملك المعظم، والأمير فخر الدين بن الشيخ- مقدّم العساكر- ونصر الله الإسلام، بعد اليأس من نصره- يشير إلى نوبة المنصورة «4»
قال: ولما قدم إلى دمشق بعد الكسرة «1» ، أجرى الناس كافّة، على ما كانوا عليه إلى آخر الأيام الناصرية، فى رواتبهم ومقرّراتهم وإطلاقاتهم.
ولم يتعرض إلى مال أحد، ولا إلى ملكه.
ثم توجّه «2» ، بعد تقرير قواعد الشام. فرزقه الله الشهادة، فقتل مظلوما. رحمه الله تعالى
انتهى الجزء التاسع والعشرون من كتاب «نهاية الأرب» للنويرى الحمد لله