الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستهلت سنة ثمان وتسعين وخمسمائة:
ذكر عمارة المسجد الجامع بقاسيون
فى هذه السنة، شرع الشيخ أبو عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى الحنبلى شيخ المقادسة- رحمه الله تعالى- فى بناء المسجد الجامع، بجبل قاسيون «1» . وكان بالجبل رجل فامى «2» ، يقال له أبو داود، فوضع أساسه وبلغ قامة، وأنفق عليه ما كان يملكه. وبلغ مظفّر الدين بن زين الدين صاحب إربل ذلك، فبعث إلى الشيخ أبى عمر مالا يملكه، ووقف عليه وقفا. ثم أرسل ألف دينار. وأراد أن يسوق إليه الماء من برزه «3» ، فقال الملك المعظم عيسى: طريق الماء كلها مقابر، فكيف يجوز أن تنبش أموات المسلمين! وأشار أن يشترى بغل يدور بدولاب، ويشترى ببقية المال مكان يوقف عليه. ففعلوا ذلك.
ذكر وفاة الملك المعز صاحب اليمن وقيام أخيه نجم الدين أيوب
كانت وفاة الملك المعز: فتح الدين أبى الفدا إسماعيل، بن الملك العزيز، ظهير الدين أبى الفوارس: سيف الإسلام طعتكين «4» بن أيوب،
ملك اليمن بالقرو «1» من أعمال زبيد، فى شهر رجب سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
وكان قد ادعى أنه من بنى أمية، وتلقب بألقاب الخلفاء، وهو الإمام الهادى بنور الله، المعز لدين الله، أمير المؤمنين. وغيّر زيّه، فلبس القميص الواسع والعمامة والطّيلسان. وكتب إليه عمه العادل ينكر عليه ذلك، فلم يجبه. وكان سبب ذلك أن الشعراء باليمن سموه فى مدائحهم بالخليفة، وفضلوه على من سواه. ومنهم من امتدحه بقوله:
بنى العباس هاتوا ناظرونا..
وهى أبيات لم يقع منها غير هذا.
ولما مات، قام بعده بملك اليمن أخوه: نجم الدين أيوب، وتلقب بالناصر. وكان دون البالغ، فقام بأمره سيف الدين: مملوك أبيه.
وفيها توفى الرئيس مؤيّد الدين، أبو المعالى: أسعد، بن عز الدين أبى يعلى حمزة، بن القلانسى التّميمى «2» بدمشق، فجأة فى رابع عشرين شهر ربيع الأول. ومولده فى سابع عشر شهر رمضان سنة سبع عشرة وخمسمائة.
وكان رئيس دمشق وكبيرها وصدرها. وسائر أهل البلد تحت حكمه، وهو المقدم عليهم. وكان الدماشقة فى الزمن الأول لكل طائفة منهم مقدم، يركبون «1» مع الملوك ويجاهدون «2» الفرنج. ولكل طائفة قطعة من السور يحفظونها، بغير إقطاع لهم على ذلك ولا جامكيّة «3» . وما برح الحال على ذلك إلى زمن الملك المعظم عيسى بن الملك العادل، فأبطل ذلك وقال:
لا نقاتل بالعوام. وإنما فعل ذلك خوفا على نفسه منهم، فإنهم كانوا إذا طلبهم ملك قتلوه. ولما ولى الملك الصالح إسماعيل بن الملك العادل دمشق، شرع فى مصادرة أكابر دمشق واستئصال أموالهم. فاشتغلوا بالظلم عما كانوا بصدده، من ركوب الخيل وجمع السلاح، وغير ذلك.
وكان مؤيّد الدين هذا رئيس دمشق فى زمانه، ومقدم الجماعة. بحيث أنه لا يباع من أملاك دمشق ملك، حتى يأتيه جماعة ويشهدون عنده أنه ملك البائع، انتقل إليه بالميراث أو الابتياع. فإذا ثبت ذلك عنده كتب بخطه فى ذيل الكتاب ليشهد فيه بالتبايع، فيشهد الشهود بعد ذلك. وخطه موجود فى الكتب القديمة بذلك. وكان رحمه الله تعالى من أرباب المروءات لمن قصده ولجأ إليه.
وله نظم حسن، فمن نظمه:
يا رب جد لى إذا ما ضمّنى جدثى
…
برحمة منك تنجينى من النار
أحسن إلىّ إذا أصبحت جارك فى
…
لحدى، فإنك قد أوصيت بالجار