الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الإتفاق والاختلاف بين الملكين الصالحين: نجم الدين أيوب صاحب مصر، وعماد الدين إسماعيل صاحب دمشق
فى هذه السنة ترددت الرّسل بين الملكين الصالحين: نجم الدين أيوب صاحب الديار المصرية، وعمّه عماد الدين إسماعيل صاحب الشام، وتوجه شرف الدين بن التّينى والأصيل الإسعردى «1» الخطيب، إلى دمشق. فأطلق الملك الصالح إسماعيل الملك المغيث جلال الدين- ولد السلطان الملك الصالح نجم الدين- من الاعتقال. وركب وخطب لابن أخيه الملك الصالح أيوب بدمشق. ورضى الملك الصالح أيوب بإقرار دمشق بيد عمّه الصالح إسماعيل، بعد أن يسلّم إليه ولده.
وحصل الاتفاق على ذلك، ولم يبق إلا أن يتوجه الملك المغيث إلى أبيه. فصرف أمين الدولة السّامرى- وزير الملك الصالح إسماعيل- رأيه عن ذلك وقال: هذا خاتم سليمان، لا تخرجه من يدك يعدم الملك.
فتوقّف، ولم ينتظم الحال. وقطع خطبة ابن أخيه، وأعاد الملك المغيث إلى الاعتقال بالبرج، واستمر به إلى أن مات. وكانت وفاته يوم الجمعة ثانى عشر شهر ربيع الآخر، سنة اثنتين وأربعين وستمائة. وحمل إلى تربة جده الملك الكامل فدفن بها. وكان عاقلا، ما حفظت عنه كلمة فحش- رحمه الله تعالى.
ولما رجع الصالح إسماعيل عن الصلح، كتب الملك الصالح أيوب إلى الخوارزمية فى الحضور إلى الشام. فعبروا إلى الفرات وانقسموا قسمين: قسم جاءوا على البقاع البعلبكّى، وقسم على غوطة دمشق. ونهبوا وسبوا وقتلوا.
وسد الصالح إسماعيل أبواب دمشق. وتوجه الخوارزمية إلى غزّة. وكان من خبرهم ما نذكره- إن شاء الله تعالى.
وفيها عزل قاضى القضاة: صدر الدين موهوب الجزرى عن القضاء بمصر والوجه القبلى، وفوّض السلطان الملك الصالح ذلك إلى القاضى:
أفضل الدين أبى عبد الله، محمد بن نامادر، بن عبد الملك، بن زنجلين، الخونجى «1» ، وكانت ولايته فى يوم عيد النّحر من هذه السنة. واستمر فى القضاء إلى أن مات.
وفيها فى يوم الجمعة بعد الصلاة، ثانى العيد الأضحى، أمر الملك الصالح إسماعيل بالقبض على أعوان القاضى رفيع الدين الجيلى- وكانوا ظلمة آذوا الناس. وكان كبيرهم الموفق حسين بن عمر بن عبد الجبّار- المعروف بابن الواسطى. ثم قبض على القاضى الرفيع بعد أيام. وأمر بمصادرتهم فصودروا، وعوقبوا وعذبوا بأنواع العذاب- وكانوا لذلك أهلا.
ثم قتل الرفيع فى سنة اثنتين وأربعين وستمائة، ببعلبك: جهّزه أمين الدولة السّامرى إليها، فقتل هناك.
وكان القاضى الرفيع هذا قد صادر أهل دمشق، وفعل ما لا يفعله ظلمة الولاة. وكتب إلى السلطان يقول: إننى قد حملت إلى خزانتك ألف ألف دينار، من أموال الناس. فقال السامرى: ولا ألف ألف درهم. وكان السامرىّ قد تمكن من الملك الصالح تمكّنا عظيما، لا يخالفه فى شىء ألبتّه.
فقال الملك الصالح: أنا أحاققه، فإنه قد أكل الأموال، وأقام علينا الشّناعة، والمصلحة تقتضى عزله ومؤاخذته، ليعلم الناس أنك لم تأمره بأذاهم. فعزله عن القضاء. ثم تسبب فى قتله.
ولما عزل، فوّض القضاء بعده لقاضى القضاة محيى الدين يحيى، بن قاضى القضاة محيى الدين محمد، بن على بن محمد بن يحيى، القرشى.
وقرىء تقليده بالجامع بدمشق، فى خامس عشرين ذى الحجة. وحكم بإسقاط عدالة أصحاب الرّفيع، وهم: المعزّ بن القطّان، والزّين الحموى، والجمال بن سيده، والموفّق الواسطى، وسالم المقدسى، وابنه محمد- لما فعلوه بالمسلمين من أنواع الأذى، وقطع المصانعات.