الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما قبض على الملك العادل، ركب جماعة من الأتراك وقصدوا أمراء الأكراد، لما كان بينهم من الذّحول «1» التى أثرتها وقعة بلبيس. وكان الأكراد على غير أهبة، فنهبهم الأتراك. ووافقهم ممالك الأكراد على أستاذيهم «2» ، ومالوا للأتراك للجنسيّة، فاستولى الأتراك على خيامهم وأثقالهم وخيولهم. وانهزم الأكراد، كلّ منهم على فرس، ودخلوا القاهرة.
وقبض الأمراء على خواصّ الملك العادل وحرفائه.
وكان الملك العادل قد اشتغل باللهو والهزل واللعب. وكان لا يؤثر قيام ناموس المملكة. ووثق بكرمه وبذله الأموال، وظن أن ذلك يغنيه عن التحفظ. وكان من أكرم الناس وأكثرهم عطاء، ودليل ذلك أنه فرّق فى مدة سلطنته ما يزيد على ستة آلاف (ألف)«3» دينار، وعشرين ألف ألف درهم، من الأموال التى خلّفها والده: السلطان الملك الكامل.
ذكر أخبار السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب بن السلطان الملك الكامل- وما كان من أمره بعد وفاة أبيه إلى أن ملك الديار المصرية
كان السلطان الملك الصالح، لما توفّى والده السلطان الملك الكامل، مقيما بسنجار «4» - وله آمد وحرّان والرّها، ونصيبين والخابور، ورأس عين
والرّقّة «1» - من سنة ثلاث وثلاثين وستمائة. وتوفى السلطان الملك الكامل والده، والأمر على ذلك.
ثم كان من أخباره مع الخوارزميّة، ومفارقتهم له، ومحاصرة الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ له بسنجار، واستنصاره بالخوارزمية وعودهم إلى خدمته، وهرب بدر الدين لؤلؤ- ما قدّمناه.
وملك بعد ذلك دمشق من الملك الجواد- كما تقدم. ولما ملك دمشق، راسل عمّه الملك الصالح عماد الدين إسماعيل- صاحب بعلبك- والتمس منه مساعدته على قصد الديار المصرية، وانتزاعها من أخيه الملك العادل. وشرط له أنه إذا فتح الديار المصرية تكون له، وتكون دمشق للصالح إسماعيل. فأجابه إلى ذلك، وشرع فى الاستعداد والاستخدام والاحتشاد.
فاتصل ذلك بالملك العادل ووالدته، فكتبا إلى الملك الصالح إسماعيل، وكتب إليه بعض الأمراء المصريين، وهم يصرفون رأيه عن مساعدة الملك الصالح أيوب، وحسّنوا له أخذ دمشق. فاتفق الصالح إسماعيل، وصاحب حمص على مخالفة الملك الصالح نجم الدين.
وخرج الملك الصالح أيوب من دمشق فى شهر رمضان سنة ست وثلاثين وستمائة، وقصد نابلس- وهى فى جملة مملكة الملك الناصر داود، صاحب الكرك- فاستولى عليها وعلى بلادها- وذلك فى شوال من السنة.
وتوجه الملك الناصر داود إلى الديار المصرية- كما تقدم.
وأقام الملك الصالح نجم الدين بنابلس، ينتظر وصول عمه الملك الصالح إليه بعسكره، ليتوجها إلى الديار المصرية. وكان بقلعة دمشق الأمير ناصر الدين القيمرى، ينوب عن الملك الصالح، فاتصل به خبر الملك الصالح إسماعيل وما عزم عليه. فكتب إلى الملك الصالح أيوب، يعلمه أن عمه الصالح إسماعيل قد عزم على مخالفته، واستخدم الرجال لذلك، وحذّره منه مرّة بعد أخرى. ووالى كتبه إليه، وهو لا يكترث بقوله. فلما كرر كتبه بذلك، أجابه: إن مقرعتى إذا وقعت فى فلاة لا يقدر أحد أن يمسّها بيده، ولا يتجاسر عليها! فلما وقف على جوابه كفّ عنه.
وكان الملك المسعود بن الملك الصالح إسماعيل فى خدمة الملك الصالح أيوب- هو والأمير ناصر الدين بن يغمور- فتواترت كتب الملك الصالح إلى عمه الصالح يستحثه على اللحاق به. وهو يتقاعد عنه، ويجيبه إننى لا يمكننى إخلاء قلعة بعلبك بغير حافظ، والقصد إرسال ولدى إلىّ لأجعله بها، وأحضر إليك. فعند ذلك جهّز الملك الصالح نجم الدين أيوب الحكيم سعد الدين بن صدقة المعرّى، إلى عمه الملك الصالح، برسالة، ظاهرها استحثاثه على سرعة الوصول إليه، وأمره أن يطالعه بما يظهر له من أحوال عمه، وهل هو على الطاعة أو العصيان.
فلما وصل الحكيم إلى بعلبك، اطلع على ما اتفق عليه الصالح إسماعيل وصاحب حمص: من قصد دمشق، وانحرافهما عن الملك الصالح. فكان يكتب إليه بذلك، ويدفع البطايق إلى البرّاج ليرسلها على الحمام، فيرصده الصالح إسماعيل ويأخذها منه، ويغيّرها بخط أمين الدولة السامرى،