الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد نقلت ذلك من التقليدين، كما شاهدته. ولم يتعرض الموقّع فيهما إلى ذكر جامكيّة «1» ولا جراية. والله أعلم.
ولم تطل مدة هذه الولاية. فإنه صرف فى السنة التى تليها، سنة خمس وخمسين- فى ثالث شهر ربيع الأول، وقيل بعد ذلك بقليل. والله أعلم.
ذكر ما حدث بالمدينة النبوية- على صاحبها أفضل الصلاة والسلام- من الزلازل، والنار التى ظهرت بظاهرها
وفى سنة أربع وخمسين وستمائة، وردت كتب من المدينة النبوية- على ساكنها أفضل الصلاة والسلام- بخبر هذه الحادثة. من جملتها، كتاب القاضى شمس الدين سنان، بن عبد الوهاب بن نميلة الحسينى- قاضى المدينة- وإلى بعض أصحابه بدمشق، مضمونه:
«لما كانت ليلة الأربعاء. ثالث جمادى الآخرة- حدث بالمدينة فى الثّلث الأخير من الليل، زلزلة عظيمة، أشفقنا منها، ودامت بقيّة تلك الليلة. تزلزل كل يوم وليلة قدر عشر نوبات. والله، لقد زلزلت مرة، ونحن حول حجرة النبى- صلى الله عليه وسلم حتى اضطرب لها المنبر، وسمعنا منه صوت الحديد الذى فيه! واضطربت قناديل الحرم الشريف! ودامت
الزلزلة إلى يوم الجمعة ضحى، ولها دوىّ مثل دوىّ الرعد القاصف! ثم طلع، يوم الجمعة، فى طريق الحرّة «1» فى رأس قريظة، على طريق السّوارقيّة «2» بالمقاعد، مسيرة من الصبح إلى الظهر- نار عظيمة مثل المدينة العظيمة! وما ظهرت لنا إلا ليلة السبت. وأشفقنا منها وخفنا خوفا عظيما.
وطلعت إلى الأمير وكلّمته، فقلت له: قد أحاط بنا العذاب، ارجع إلى الله تعالى. فأعتق مماليكه، وردّ على جماعة أموالهم. فلما فعل هذا، قلت له: اهبط الساعة معنا إلى النبى صلى الله عليه وسلم. فهبط، وبتنا ليلة السبت، والناس جميعا والنسوان وأولادهم، وما بقى أحد، لا فى النخيل ولا فى المدينة- إلا عند النبى صلى الله عليه وسلم.
وأشفقنا منها، وظهر لها لسان- حتى رؤيت من مكة، ومن الفلاة جميعها. ثم سال منها نهر من نار، وأخذ فى وادى أحيلين «3» ، وسدّ الطريق. ثم طلع إلى بحرة الحاج، وهو نهر نار يجرى- وفوقه جمر تسير إلى أن قطعت الوادى- وادى الشّظاة «4» . وما عاد يجىء فى الوادى سيل قط،
لأنها حرّة، تجى قامتين وثلاثا علوّها. وتمت تسير، إلى أن سدّت بعض طرق الحاج، وبعض البحرة، بحرة الحاج. وجاء فى الوادى إلينا منها قتير «1» وخفنا أنه يجيئنا. واجتمع الناس، ودخلوا على النبى صلى الله عليه وسلم، وياتوا عنده جميعهم ليلة الجمعة. فطفىء قتيرها الذى يلينا، بقدرة الله سبحانه.
وهى الى الآن وما نقصت، الّا ترى مثل الجمال حجارة من نار. لها دوىّ، ما يدعنا نرقد ولا نأكل ولا نشرب. وما أقدر أصف لك عظمها، وما فيها من الأهوال. وأبصرها أهل التّنعيم «2» ، وندبوا قاضيهم ابن أسعد.
وجاء وعدّى اليها، وما قدر يصفها من عظمها. قال: وكتبت الكتاب، يوم خامس رجب، وهى على حالها، والناس منها خائفون. والشمس والقمر، من يوم طلعت، ما يطلعان إلا كاسفين. نسأل الله العافية.
قال الشيخ شهاب الدين أبو شامة: بان عندنا بدمشق أثر الكسوف من ضعف نورها على الحيطان. وكنا حيارى من ذلك، لا ندرى ما هو؟ إلى أن اتضح، وجاء هذا الخبر عن هذه النار.
وجاء كتاب آخر من بعض بنى القاشانى بالمدينة، يذكر فيه خبر هذه الحادثة، نحو ما تقدم، ويقول:
«ومن قبل ذلك بيومين، سمع الناس صوتا مثل صوت الرعد- ساعة بعد ساعة- وما فى السماء غيم، حتى يظنّ أنه منه. ثم زلزلت الأرض فى يوم الأربعاء المذكور آنفا، فرجفت بنا رجفة لها صوت كدوى الرعد. ففزع الناس إلى المسجد، وضجّوا بالستغفار والصلاة. ودامت ترجف بالناس، ساعة بعد ساعة، من ليلة الأربعاء إلى صبح يوم الجمعة. فارتجت الأرض رجة قوية، إلى أن اضطرب بنا المسجد، وسمع لسقف المسجد صرير عظيم! وسكتت الزلزلة بعد صبح يوم الجمعة، إلى قبل الظهر.
ثم ظهرت نار من الحرّة تتفجر من الأرض، فارتاع الناس لها روعة عظيمة. ثم ظهر لها دخان عظيم فى السماء، ينعقد، حتى بقى كالسحاب الأبيض، يتصل إلى قبيل مغيب الشمس من يوم الجمعة. ثم ظهر للنار ألسن تصعد إلى السماء حمر، وعظمت حتى غطّت حمرة النار السماء كلّها. وبقى الناس فى مثل ضوء القمر. وأيقن الناس بالهلاك والعذاب. وذكر من توبة الناس، وفعل الأمير بالمدينة وعتقه مماليكه، ووضعه المكوس، نحو ما تقدم.
قال: وبقيت النار تلتهب التهابا، وهى كالجبل العظيم، ولها حسّ كالرعد. فدامت كذلك. فدامت كذلك أياما. ثم سالت فى وادى أحيلين «1» ، فتحدرت فى الوادى إلى الشّظاة، حتى لحق سيلانها بالبحرة
بحرة الحاج، والحجارة معها تتحدر وتسير، حتى كادت تقارب حرّة العريض. ثم سكنت ووقفت أياما. ثم عاد يخرج من النار حجارة أمامها وخلفها، حتى بنت جبلين أمامها وخلفها، وما بقى يخرج منها من بين الجبلين لسان لها أياما. ثم انها عظمت الآن، وسناها إلى الآن، وهى تتّقد كأعظم ما يكون. ولها صوت عظيم من آخر الليل إلى صحوة فى كل يوم. ولها عجائب ما أقدر أصفها، ولا أشرحها لك على الكمال. وإنما هذا منها طرف. قال: وكتبت هذا الكتاب، ولها شهر وهى فى مكانها، ما تتقدم ولا تتأخر.
وقال بعض أهل المدينة فى ذلك شعرا، وهو:
يا كاشف الضّرّ: صفحا عن جرائمنا
…
لقد أحاطت بنا يا ربّ بأساء
نشكو إليك خطوبا لا نطيق لها
…
حملا، ونحن بها، حقاّ أحقّاء
زلازلا تخشع الصّمّ الصّلاب لها
…
وكيف يقوى على الزلزال شمّاء
أقام سبعا يرجّ الأرض، فانصدعت
…
عن منظر، منه عين الشمس عشواء
بحر من النار، تجرى فوقه سفن
…
من الهضاب، لها فى الأرض إرساء
كأنما فوقه الأجبال، طافية
…
موج علاه لفرط الهيج غثّاء «1»
يرى لها شرر كالقصر طائشة
…
كأنّها ديمة تنصبّ هطلاء
تنشقّ منها قلوب الصّخر، إن زفرت
…
رعبا، ويرعد مثل السّعف رضواء
منها تكاثف فى الجوّ الدّخان إلى
…
أن عادت الشمس منه وهى دهماء