الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستهلّت سنة ثمان وخمسين وستمائة:
ذكر وصول البحرية والشهرزورية إلى خدمة السلطان الملك المظفر
فى هذه السنة، فارق الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى- ومن معه من الأمراء البحريّة- السلطان الملك الناصر صاحب الشام، لما رأوه من ضعف رأيه، وتخاذله عن ملاقاة عدوه. وتوجهوا إلى غزّة. واجتمعوا هم والأمراء الشّهرزوريّة.
وأرسل الأمير ركن الدين بيبرس- المذكور- الأمير علاء الدين طيبرس الوزيرى إلى السلطان الملك المظفّر، يستأذنه فى الحضور إلى خدمته- هو ومن معه- ويلتمس إيمانه لهم. فأجاب الملك المظفر إلى ما طلب. فتوجه من غزّة بمن معه. وكان وصولهم إلى القاهرة فى يوم السبت، الثانى والعشرين من شهر ربيع الأول.
فركب الملك المظفر للقائهم، وأنزل الأمير ركن الدين بدار الوزارة.
وأقطعة قصبة قليوب، لخاصّه. فأشار الأمير ركن الدين عليه بحرب التتار.
وقوّى عزائمه على ذلك.
ذكر خبر المصافّ «1» الكائن بين السلطان الملك المظفّر ومن معه من الجيوش الإسلامية، وبين جيش التتار على عين جالوت «2» . وانهزام التتار وقتل مقدمهم كتبغا نوين، وما يتصل بذلك من الأخبار
لما ملك التتار الممالك الشامية، وزالت دولة الملك الناصر صلاح الدين يوسف من الشام- كما قدمنا ذكر ذلك- راسل كتبغا نوين، مقدّم جيش التتار، السلطان الملك المظفّر، وأرسل إليه، يطالبه ببذل الطاعة، وتعبئة الضّيافة. فقتل الملك المظفّر رسله، إلا صبيّا واحدا، فإنه استبقاه، وضمه إلى جملة مماليكه.
واستعدّ للجهاد، وخرج بعساكر الديار المصرية، ومن انضم إليه من جيوش الشام- الذين فارقوا الملك الناصر- ومن حضر إليه من الأمراء البحريّة، والأمراء الشّهرزوريّة، وغيرهم.
وراسل الملك الأشرف مظفر الدين موسى، صاحب حمص- وكان قد عاد من جهة هولاكو من حلب- وفوّض إليه نيابة السلطنة بالشام أجمع، وحلب، وغير ذلك، والملك السعيد بن الملك العزيز عثمان بن الملك العادل- وكان قد أخذ من هولاكو فرمانا بالصّبيبة وبانياس «1» .
وسألهما المظافرة والمعاونة على حرب العدوّ، وأن تكون الكلمة واحدة.
فتوجه رسوله، واجتمع بالملك السعيد. فسبّه وسبّ من أرسله، وقال: من هو الذى يوافق هذا الصبى، أو يدخل فى طاعته أو ينضم إليه؟! ونحو هذا من الكلام. ففارقه وتوجه إلى الملك الأشرف. فخلا الملك الأشرف بالرسول، وقبّل الأرض بين يديه تعظيما لمرسله. وأجلسه مكانه على مرتبته وجلس بين يديه، وسمع رسالته. وقال له: قبّل الأرض بين يدى مولانا السلطان الملك المظفّر، وأبلغه عنى أننى فى طاعته وموافقته، وامتثال أمره. والحمد لله الذى أقامه لنصرة هذا الدين. ووعد أنه، إن حضر المصافّ مع التتار، انهزم بهم، إلى غير ذلك. وأعطى الرسول ذهبا جيّدا، واعتذر إليه.
فعاد الرسول، وأبلغ الملك المظفر عن كل من الملكين ما قال له.
فعامل كلا منهما، عند ظفره، بما نذكره.
قال: وجمع السلطان الملك المظفر الأمراء بالصالحيّة «1» ، واستشارهم: أين يكون لقاء العدو؟ فأشاروا أن يكون بالصالحيّة.
وصمّموا على ذلك. فوافقهم على رأيهم ظاهرا. وركب فى صبيحة ليلة المشورة من منزلة الصالحية. وحرّك الكوسات «2» ودخل الرّمل. فانجرت العساكر خلفه، ولم يتخلف منهم أحد عنه. وسار بعساكره وجموعه، حتى انتهى إلى عين جالوت- من أرض كنعان «3» ، بالقرب من بيسان، مدينة غور الشام.
وأقبل كتبغا نوين بجيوش التتار، ومن انضم إليه. والتقوا واقتتلوا- وذلك فى يوم الجمعة، الخامس والعشرين من شهر رمضان، سنة ثمان وخمسين وستمائة. وثبت الملك المظفّر أحسن ثبات. حكى بعض من حضر هذه الواقعة قال: كنت خلف السلطان الملك المظفّر، لما التحم القتال ووقعت الصّدمة الأولى، فاضطر جناح عسكر السلطان، وتتعتع طرف منه.
فلما رأى الملك المظفر ذلك، رمى خوذته عن رأسه، وصاح: وا إسلاماه! وحمل، فأعطاه الله تعالى النصر. وكانت الدائرة على التتار، وأخذهم السيف والإسار. وقتل كتبغا نوين، فيمن قتل. وانهزم من سلم من التتار، لا يلوون على شىء. وكان الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى ممن شهد هذه الوقعة، وأبلى يومئذ بلاء حسنا.