الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان ملكا حازما، ضابطا لأموره. متطلعا لجمع المال، يباشر الحمول التى تصل إليه بنفسه ويكتبها بخطه فى دفتر له، ويحاقق المستخدمين فيما يطلع عليه. وجمع مالا عظيما، حتى يقال إنه خلف ألف إردب ذهب.
وهذا ما لم يسمع بمثله. وأراه- والله أعلم- من التغالى.
وكان يجلس فى مجلس خاص فى كل ليلة جمعة، يجتمع فيه الفقهاء والأدباء والشعراء وغيرهم. وله فى بقية الجمعة ليال، يختلى فيها مع ندمائه على الشراب وسماع القيان «1» . وكان حسن الاعتقاد فى السّنّة. وكان جهورىّ الصوت، وله هيبة عظيمة فى قلوب الرّعايا والخواصّ. وعمّر قاعة بقلعة الجبل، يجلس فيها مع الفقهاء والصالحين فى شهر رمضان، سماها قاعة رمضان. وهى الآن من جملة الخزائن السلطانية.
ذكر ما اتفق بدمشق بعد وفاة السلطان الملك الكامل فى هذه السنة
لما توفى الملك الكامل اجتمع الأمراء، وهم: سيف الدين على بن قليج، وعز الدين أيبك، وركن الدين الهيجاوى، وعماد الدين، وفخر الدين: ابنا شيخ الشّيوخ «2» ، وتشاوروا فى أمر دمشق، وانفصلوا
عن غير شىء. وكان الملك الناصر داود بدار أسامة، فأتاه الرّكن الهيجاوى ليلا، وبيّن له وجه الصواب. وأرسل إليه أيبك المعظّمى يقول له: أخرج المال، وفرّقه فى مماليك أبيك والعوامّ، فهم معك، وتملك البلد، ويبقى هؤلاء بالقلعة محصورين. فلم يتّفق ذلك.
ثم اجتمع هؤلاء الأمراء بالقلعة فى يوم الجمعة، وذكروا الملك الناصر داود، والملك الجواد مظفر الدين: يونس بن مودود بن الملك العادل.
وكان فخر الدين بن الشيخ يميل إلى الملك الناصر، وعماد الدين يكرهه فأشار عماد الدين بالملك الجواد، ووافقه الأمراء، وقالوا لفخر الدين بن الشيخ: ما تقول فيه؟ فقد اتفق الأمراء عليه. فقال: المصلحة أن نولّى بعض الخدام نائبا عن الملك العادل: ابن أستاذنا الملك الكامل، فمتى شاء عزله [وإن رضى أبقاه، ولا تولوا من بيت الملك فيتعذر عزله]«1» ويستقل بالملك.
وبلغ ذلك الملك الجواد فجاء إليه، وتحدث معه، وذكر له سالف صحبة ومودة، وترفق له ووعده أن يعطيه إقطاع مائة وخمسين فارسا، وعشرة آلاف دينار. فقال: والله لا وافقت إلا على ما فيه مصلحة لابن أستاذى. فلما يئس منه، فرّق ضياع الشام على الأمراء وخلع عليهم، وأعطاهم ما فى الخزائن- وكان بها تسعمائة ألف دينار. وتوجه فخر الدين بن الشيخ إلى الديار المصرية، ومعه جماعة من الأمراء، بعد أن تردّد إلى الملك الناصر مرارا، وهو بالقابون.