الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها كانت الوقعة على صور «1» . وذلك أن الملك العزيز عثمان، وصارم الدين التّبنينى، كمنا للفرنج قريبا من صور. فلما تعالى النّهار.
خرج أهل صور «2» : فارسهم وراجلهم بمواشيهم، فخرجا عليهم فيمن معهما من الكمين، فقتلوا وأسروا سبعين فارسا، واستاقوا الأغنام والجواميس. ولم يسلم ممن خرج من الفرنج، غير ثلاثة.
وفيها توفى شرف الدين أبو المعالى: شكر بن القاضى كمال الدين أبى السعادات، أحمد بن شكر. وهو أخو الوزير الأعز فخر الدّين مقدام. وكان قد ولى نظر ثغر الإسكندرية وغيرها- رحمه الله تعالى.
وفيها توفى أبو الفتح: نصر بن صغير بن داغر، أبو خالد القيسرانى الحلبى كان شيخا أديبا، له نظم حسن. رحمه الله تعالى.
واستهلت سنة ست وعشرين وستمائة:
ذكر تسليم البيت المقدس وما جاوره للفرنج
كان تسليم البيت المقدّس وما جاوره للفرنج فى العشر الآخر، من شهر ربيع الأول، من هذه السنة.
وسبب ذلك أن السلطان الملك الكامل، لما اتصلت به أفعال ابن أخيه الملك الناصر داود، خرج من القاهرة فى الثالث والعشرين من شعبان سنة خمس وعشرين، واستناب ولده الملك الصالح كما تقدم، وبقى إلى العشر الأوسط من شهر رمضان، وسار إلى البيت المقدس. ثم عاد ونزل بتلّ العجول «1» . فأرسل الملك الناصر داود الفخر بن بصاقة «2» إلى عمه الملك الأشرف ليستنجده، ويعرفه قصد الملك الكامل بلاده. فجاء الأشرف إلى دمشق، ونزل ببستانه بالنّبرب «3» . ولما شاهد حركات ابن أخيه المذمومة، أطمعته نفسه فى أخذ دمشق لنفسه.
ووصل الملك الكامل إلى نابلس، ورتّب الولاة والنّوّاب فى البلاد الساحلية. فبلغه أن الأنبرور فرديك «4» قد وصل إلى يافا فى ميعاده. فعاد إلى تل العجول، وتردّدت الرسائل بينه وبين الأنبرور. وكان السفير بينهما الأمير فخر الدين يوسف بن الشيخ، والصّلاح الإربلىّ. فتقرر الصلح على: أن السلطان يعطى الأنبرور البيت المقدس، والقرايا التى على طريقه من يافا إلى
القدس، ومدينة لدّ «1» وتبنين «2» وأعمالها. ووقّعت الهدنة مدة عشر سنين.
وتسلم الأنبرور البيت المقدس، وهذه الأماكن. فحضر الأئمة والمؤذنون، الذين كانوا بالصخرة والمسجد الأقصى، إلى باب الدّهليز الكاملى، وأذّنوا فى غير وقت الأذان. فأمر الملك الكامل أن يؤخذ منهم ما معهم من السّتور والقناديل والآلات، وأن يتوجهوا إلى حال سبيلهم.
قال: ولما وصلت الأخبار بتسليم بيت المقدس للفرنج، عملت الأعزية فى جميع بلاد الإسلام، بسبب ذلك. وأشار الملك الناصر داود- صاحب دمشق- إلى الشيخ شمس الدين أبى المظفّر: يوسف سبط ابن الجوزى، أن يذكر ما جرى على القدس فى مجلس وعظه بجامع دمشق، ليكون ذلك زيادة فى الشناعة على عمه الملك الكامل.
فجلس ووعظ، وقال: انقطعت عن بيت المقدس وفود الزائرين! يا وحشة للمجاورين! كم كانت لهم فى تلك الأماكن ركعة! كم جرت لهم فى تلك المساكن من دمعة. بالله لو صارت عيونهم عيونا لما وفت. ولو انقطعت قلوبهم أسفا لما اشتفت. أحسن الله عزاء المسلمين. يا محلّة ملوك المسلمين. لهذه الحادثة تسكب العبرات، ولمثلها تنقطع القلوب من الزفرات، لمثلها تعظم الحسرات.
ثم أنشد قوله:
أعينىّ لا ترقى «1» من العبرات
…
صلى بالبكا الآصال بالبكرات
وهى أبيات ذكر فيها البيت المقدّس وفضله، وزوّاره، وما حل به من هذه الحادثة- تركنا ذكرها اختصارا.
وكان الملك الأشرف قد قال للملك الناصر داود: أنا أتوجّه إلى عمك الملك الكامل، وأصلح حالك معه. وتوجه إلى السلطان فوجده قد سلّم البيت المقدس للفرنج، فشق ذلك عليه ولامه. فقال الملك الكامل:
ما أحوجنى إلى هذا إلا المعظّم- يشير إلى أن المعظم أعطى الأنبرور من الأردنّ إلى البحر، وأعطاه الضّياع التى من باب القدس إلى يافا، وغيرها.
ولما اجتمع الملك الأشرف بالملك الكامل اتفقا على حصار دمشق.
وقبض الملك الناصر على فخر الدين بن بصاقة «2» ، وابن عمه المكرّم، واعتقلهما فى الجبّ «3» ، واستأصل أموالهما. وكان قد اتهم الفخر أنه حسّن للأشرف الاستيلاء على دمشق.