الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولما انقضى مجلس الشراب، ورجع المعظم إلى حسّه، علم أنه لا يجوز له أن يقرّه على ولاية القضاء- وقد شاهد من أمره ما شاهد. ففوّض القضاء للقاضى شمس الدين الخويّى، وخلع عليه. وجلس للحكم بين الناس، وأحسن السّيرة. وانقطع عن مجلس الملك المعظم وحضوره، إلا فى أوقات المواكب، على عادة القضاة.
واستمر على ذلك مدة. ثم ذكره الملك المعظم واشتاق إلى منادمته، وسماع قانونه. فاستدعاه وتحدث معه، واستوحش منه. ثم كلمه فى الحضور إلى مجلس الأنس معه، فى بعض الأوقات، وأنه لا يخليه منه جملة، وتلطف به فى ذلك. فأجابه عن ذلك، بأن قال: إذا أمر السلطان- أعزّه الله بهذا- امتثلت أمره، وفعلت. ولكن يكون هذا بعد عزلى عن منصب القضاء والحكم بين الناس، وتولية قاض غيرى. فإننى لا أجمع بين منصب القضاء وما يضادّه أبدا، لما يترتب على ذلك من فساد عقود أنكحة المسلمين، ويتعلق ذلك بذمة السلطان. فإن أحبّ السلطان ذلك، فليولّ قاض غيرى.
فأعجب الملك المعظم ذلك منه، وسرّبه، وقال: بل نرجّح مصلحة المسلمين على غرضنا. واستقر على القضاء. وما سمع عنه بعد ولائه القضاء ما يشينه فى دينه ولا يغضّ من منصبه- رحمه الله تعالى.
واستهلّت سنة ثمان وثلاثين وستمائة:
فى هذه السنة فى شهر ربيع الآخر، رتّب السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب دار العدل. وجعل افتخار الدين ياقوت الجمالى نائبا عنه بها. ونصب معه شاهدان من العدول، وجماعة من الفقهاء، منهم:
الشريف شمس الدين الأرموى «1» نقيب الأشراف، والقاضى فخر الدين بن السّكّرى، والفقيه عز الدين. فصار الناس يأتون إليها، ويتظلمون وتكشف ظلاماتهم. وإنما فعل السلطان ذلك، لأنه كان غليظ الحجاب، فاستغنى بذلك عن مواجهة الناس.
وفيها، فى رابع المحرم، حصل الشروع فى بناء القنطرة على الخليج الحاكمى- وهى المعروفة فى وقتنا هذا بقنطرة السّدّ.
وفيها فى تاسع شهر ربيع الأول، رسم السلطان بتجهيز زرد خاناه «2» وشوانى «3» وحراريق «4» إلى القلزم «5» لقصد اليمن. وجرّد جماعة من الأمراء والجند بسبب ذلك، فى سادس عشر الشهر.
ثم عاد العسكر فى خامس شهر رمضان، بسبب حادثة الأشرفية التى نذكرها. لأنهم بلغهم أن الأشرفية ومن شايعهم عزموا على نهب العسكر المذكور- وكان ببركة الجبّ. وبطل التّجريد «6» إلى اليمن.
ثم توجه من جملة العسكر ثلاثمائة إلى مكة، فى أواخر شهر رمضان.
فدخلوا مكة سلما «1» ، فى ذى القعدة، وهرب من كان بها من العسكر اليمنى.
وفى شهر ربيع الأول من السنة، قبض السلطان على الأمير عز الدين أيبك الأسمر، والخدام الذين وافقوه على القبض على أخيه الملك العادل، وهم: جوهر النّوبى، وشمس الخواص سرور، وكافور الفايزى، وعلى جماعة من الأتراك والحلقة «2» ، ونفى جماعة من الأتراك، وسيّرهم مخشّبين فى المراكب نحو الصعيد وبلاد المغرب، وأخذ أموالهم وقتل بعضهم. وانهزم بعض الأشرفية، واختفى بعضهم. وأمّر السلطان مماليكه، وأعطاهم الإقطاعات.
وفيها فى يوم السبت- تاسع شهر ربيع الآخر- وقيل فى خامس عشرة- ولد للسلطان الملك الصالح ولد ذكر، من سرّيّته: شجر الدّرّ، وسمّاه خليلا. ثم مات بعد مدة يسيرة.
وفيها، فى تاسع شهر ربيع الأول، صرف الأمير سيف الدين بن عدلان، عن ولاية الصناعة بمصر. ووليها أسد الدين، بن الأمير شجاع الدين جلدك.