الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيها احترق المشهد الحسينى بالقاهرة. وذكر من تتّبع التواريخ أنه ما احترق مكان شريف إلا وأعقبه غلاء، أو جلاء من العدو. وكان كذلك: أخذت دمياط، على ما نذكره.
ذكر وفاة الملك المظفر شهاب الدين غازى وقيام ولده الملك الكامل
فى هذه السنة، توفى الملك المظفر شهاب الدين غازى، بن الملك العادل سيف الدين أبى بكر محمد بن أيوب- صاحب ميّافارقين. وقام بأمر مملكته بعده ولده الملك الكامل، ناصر الدين محمد.
وفيها، توفى الملك العادل: سيف الدين أبو بكر، بن الملك الكامل، بن الملك العادل- أخو السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب.
وكان السلطان قد رسم أن يتوجه إلى الشّوبك، بنسائه وولده وعياله، فى خامس شوال، على ما حكاه سعد الدين مسعود بن شيخ الشيوخ تاج الدين. وبعث إليه الطواشى محسن الخادم، فأخبره بما رسم به السلطان من توجهه. فامتنع، وقال: إن أراد قتلى فى الشّوبك فههنا أولى، ولا أتوجه أبدا. فعذله محسن الخادم، فرماه بدواة كانت عنده.
فعاد إلى السلطان وأخبره. فقال له: دبّر أمره. فأخذ ثلاثة مماليك- وقيل أربعة- ودخلوا عليه، فى ليلة الاثنين ثانى عشر شوال، فخنقوه بشاش علمه- وقيل بوتر- وعلّقوه بعمامته، وأظهروا أنه شنق نفسه. وخرجت جنازته كجنازة الغرباء، ودفن بتربة شمس الدولة. ولم يتمتع الملك الصالح بعده بالدنيا، فإنه مات بعد ذلك بعشرة أشهر.
وفيها، فى خامس شهر رمضان، كانت وفاة قاضى القضاة: أفضل الدين أبو عبد الله محمد بن ناماد بن عبد الملك، ابن زنجلين، الخونجى «1» - قاضى مصر والوجه القبلى. ودفن بالقرافة، بالقرب من تربة الإمام الشافعى. ومولده فى جمادى الأولى، سنة تسعين وخمسمائة. وكان قد تفرّد فى زمانه بعلم المنطق، حكيما أصوليا، فاضلا، مشاركا فيما عدا ذلك «2» ولما مات- رحمه الله تعالى- أقرّ نائبه- القاضى جمال الدين يحيى- على القضاء، إلى جمادى الأولى سنة سبع وأربعين ثم فوّض القضاء بمصر والوجه القبلى للقاضى عماد الدين أبى القاسم إبراهيم. بن هبة الله بن إسماعيل ابن نبهان، بن محمد الحموى المعروف بابن المقنشع «3» - فى جمادى الأولى سنة سبع وأربعين.
وفيها كانت وفاة الشيخ الإمام العلّامة: جمال الدين أبو عمرو عثمان، ابن عمر بن أبى بكر بن يونس، الدّوينى «4» ثم المصرى، الفقيه المالكى- المعروف بابن الحاجب.
كان والده حاجب الأمير عز الدين موسك الصّلاحى- متولّى الأعمال القوصية- ومولده بإسنا- مدينة مشهورة من عمل قوص- فى سنة سبعين وخمسمائة. وانتقل إلى القاهرة فى صغره، فقرأ القرآن، واشتغل بالعلم على مذهب الإمام مالك، فتفقه. واشتغل بالعربية، فبرع وأكبّ على الاشتغال حتى صار يشار إليه. انتقل إلى دمشق، ودرس بجامعها. وكان من أحدّ الناس ذهنا. وغلب عليه علم العربية. وقيل أنه قدم إلى دمشق مرارا، آخرها سنة سبع عشرة وستمائة. وصحب شيخ الإسلام عز الدين بن عبد السلام، واختص به ولازمه.
وخرج معه من دمشق، فى سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وقدم إلى الديار المصرية. وأقام بالقاهرة واشتغل الناس عليه. وله مصنّف فى مذهب الإمام مالك- هو من أجود مختصرات المالكية، ما حفظه طالب منهم إلا وأشير إليه بالفقه. ثم انتقل إلى ثغر الإسكندرية للإقامة به، فلم تطل مدة إقامته بالثغر. وكانت وفاته فى ضحى يوم الخميس، سادس عشر شوال، ودفن بخارج باب البحر- رحمه الله تعالى.
وفيها، فى شهر رمضان، توفى الوزير: أبو الحسن على بن يوسف بن إبراهيم، بن عبد الواحد بن موسى بن أحمد بن محمد إسحاق، القفطى- المعروف بالقاضى الأكرم، وزير حلب.
كان جمّ الفضائل ذا فنون، مشاركا لأرباب كل علم فى علومهم: من القراءات، والحديث والفقه، والنحو واللغة، والأصول والمنطق، والنجوم
والهندسة، والتاريخ، والجرح والتّعديل «1» - يتكلم فى كل علم مع أربابه أحسن كلام. وله شعر حسن.
وصنف كتبا كثيرة، منها: كتاب الضاد والظاء، وهو ما اشتبه فى اللفظ واختلف فى الخط، وكتاب الدّرّ الثّمين فى أخبار المتيّمين. وكتاب من ألوت الأيام عليه فرفعته، ثم ألوت عليه فوضعته. وكتاب أخبار المصنّفين، وما صنّفوه. وكتاب أخبار النّحويّين. وكتاب تاريخ مصر، من ابتدائها إلى حين ملكها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب- فى ستّ مجلدات. وكتاب تاريخ الألموت «2» ، ومن تولّاها. وكتاب تاريخ اليمن، منذ اختطّت إلى زمانه. وكتاب الحلى والشيآت. وكتاب الإصلاح لما وقع من الخلل فى كتاب الصّحاح «3» . وكتاب الكلام على الموطّا «4» وكتاب الكلام على صحيح البخارى. وكتاب تاريخ محمود بن سبكتكين وبنيه، إلى حين انقراض دولتهم، وكتاب تاريخ السّلجقيّة، من ابتداء أمرهم إلى انتهائه. وكتاب الإيناس فى أخبار آل مرداس. وكتاب الرد على النصارى. وغير ذلك.
وكان- رحمه الله سخىّ الكفّ، طلق الوجه. وكان محبا للكتب، جمّاعا لها، جمع منها ما لم يجمعه أحد من أمثاله. واشتهر بالرغبة فيها، والمغالاة فى أثمانها، فقصده الناس بها من الآفاق. فاجتمع له منها ألوف كثيرة، بالخطوط المنسوبة، وخطوط المشايخ والمصنّفين. ولم يقع له كتاب مليح فردّه، بل يبالغ فى إرضاء صاحبه بالثّمن. فإذا ملكه استوعب قراءته، ثم جعله فى خزائنه، ثم يشحّ فى إخراجه، فلا يكاد يظهر عليه أحدا، صيانة له وضنّا به!.
قال الحافظ محبّ الدين بن النجار: كنّا عنده ليلة، فى شهر رمضان، فجرى بحث أفضى إلى اعتبار كلمة وكشفها من كتاب الصّحاح.
فقال لبعض مماليكه: إذهب إلى المؤيّد- يعنى أخاه- وأحضر من عنده نسخة من الصّحاح. قال: فقلت له: والمولى ما عنده نسخة من الصّحاح؟! فقال: وحياتك- يا محبّ- عندى خمس نسخ، وما يطيب على قلبى أن أخرج منها نسخة- لا سيما بالليل، ونحتاج إلى إدخال الضوء. وله فى شغفه بالكتب حكايات كثيرة، أضربنا عن ذكرها. وأوصى بكتبه بعد وفاته للملك الناصر: صلاح الدين يوسف، بن الملك العزيز، صاحب حلب. وكانت تساوى خمسين ألف دينار. ودفن بحلب- رحمه الله تعالى.
وفيها توفى عماد الدين، بن سديد الدين، محمد بن سليم بن حنّا- وهو أخو الصاحب بهاء الدين.